الصحفي في ليبيا إما أن يفصح عن مصادره أو يعتبر مصاب بالاكتئاب

0
263

طرابلس _ في يوم 16 يوليو _ تموز، نشر جهاز الأمن الداخلي الليبي، مقطع فيديو، يظهر فيه الإعلامي الليبي، أحمد السنوسي، يدلي بمعلومات بعد أن تم القبض عليه في العاصمة طرابلس قبل يومين من وصوله قادما من تونس، لمتابعة مجريات ما حدث بين صحيفته المحلية – صدى – مع وزير الاقتصاد.

وظهر السنوسي دون توضيح لوجهه، وهو يتحدث بشكل هادئ، ويجيب عن أسئلة على ما يبدو أنها كانت استجواب من قبل جهاز الأمن الداخلي، التابع لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة.

السنوسي هو إعلامي ليبي، يملك منصة على التواصل الاجتماعي اسمها تبادل، وصحيفة صدى الاقتصادية، كما يدير السنوسي برنامج “فلوسنا” الذي يبث على قناة الوسط ومقرها تونس العاصمة لمالكها، محمود شمام، أول وزير إعلام في المجلس الانتقالي الذي قاد الثورة ضد نظام معمر القذافي في عام 2011.

ويهتم السنوسي عبر برنامجه ومنصته بشكل أساسي كل ما يخص الشأن الاقتصادي، وتأثيره على الحياة الاجتماعية على المواطن الليبي، ويبث حلقات مباشرة للحديث عن ملفات فساد وشبهات مالية، يستضيف خلالها العديد من المسؤولين بين مدافع ومتهم ومعارض.

وخرج السنوسي الأسبوع الماضي في بث مباشر على صفحته في على “فيسبوك” المعروفة بالعلامة الزرقاء، وهو في حالة من التشنج، وانتقد وزير الاقتصاد، محمد الحويج، بسبب تقديم الأخير شكوى لدى جهاز الأمن الداخلي ضد صحيفة صدى، بسبب نشرها وثائق حول فساد وتلاعب في الوزارة.

وطلب السنوسي في الفيديو من جهاز الأمن الداخلي، عدم ملاحقة فريقه في طرابلس، وأنه سيزور المدينة خلال يومين، وتوعد بعدم الإفصاح عن مصادره _ حتى لو تم قطع أصابعه _ مضيفا أن هذا ما تعلمه في الصحافة.

وقال السنوسي في البث أنه حاول الاتصال برئيس جهاز الأمن الداخلي، لطفي الحراري، ولم يرد عليه.

الحراري هو أحد قيادات مليشيا بوسليم، والتي تتخذ الآن اسم جهاز دعم الاستقرار في طرابلس بقيادة، عبدالغني الككلي، التابع للمجلس الرئاسي برئاسة، محمد المنفي، الذي أتى للحكم عبر محادثات رعتها الأمم المتحدة في جنيف عام 2021، على أن يتم تسليم السلطة عبر انتخابات في نهاية نفس العام، من أجل إنهاء الحكومات الانتقالية في ليبيا، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى هذا اليوم.

ووجهت للسنوسي تهم نشر مستندات لا يجب الإفصاح عنها، ونشر فيديو وجه فيه ألفاظا وعبارات مفادها الإهانة والسب والشتم والتهديد لشخصيات مسؤولة بالدولة.

وقال السنوسي في الفيديو الذي نشره الأمن الداخلي، إنه يعاني من اكتئاب حاد، وأنه يأخذ أدوية تصرف له حتى يتمكن من السيطرة على نفسه.

وذكر السنوسي مجموعة من الأسماء منهم مسؤولين في وزارات ومؤسسات في الدولة الليبية، يمدونهم بشكل مباشر بوثائق تحمل طابع سري للغاية.

وبعد يومين من اعتقاله، تم الإفراج عن  السنوسي من قبل النائب العام، وظهر في صورة وهو أمام مبنى النائب العام يحمل حقيبة بلاستيكية.

وفي حوار أجرته صحيفة الشاهد مع عدد من الصحفيين في العاصمة طرابلس حول مخاوفهم عن حماية مصادرهم في نشر الأخبار، فضلوا عدم ذكر أسماءهم خوفا من الملاحقة، وأعرب الصحفيين عن خيبة أملهم لما حدث مع الإعلامي أحمد السنوسي.

ويقول كاتب وصحفي: “الآن الصحفي الليبي، إما أن يفصح عن مصادره أو يتهم أنه مصاب بالاكتئاب”.

كان من بين الأسماء التي ذكرها السنوسي رئيس ديوان المحاسبة، خالد شكشك، ونائبه، علاء المسلاتي.

كما نشر في الفيديو محادثات واتساب مع مصطفى المانع، وهو محامي يعمل مع محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، ويظهر معه في أغلب اجتماعات البنك المركزي، كما يظهر كثيرا في زيارات دولية مع وفود برئاسة الدبيبة أو زيارات أخرى.

وأوضح الأمن الداخلي في بيان مرفق مع فيديو التحقيقات مع السنوسي، قائلا أنه كان متجاهلاً أن ما قام به ووفقا لقانون العقوبات الليبي يشكل مجموعة من الجرائم بموجب أحكام المادة (430/ التهديد) والمادة (438 و439/ السب والشتم- التشهير) والمادة (245) إهانة موظف عمومي .

وأضاف الجهاز، أنه بعد جمع الاستدلال تبين أن صحيفة صدى غير مسجلة في ليبيا، وأن السنوسي غير مسجل هو الآخر في نقابة الصحفيين في ليبيا.

وفي محادثة هاتفية مع محامية من طرابلس حول الإجراءات التي اتخذت ضد السنوسي، قالت: “لم أعلم يوما أن لجهاز الأمن الداخلي السلطة في التحقيق ونشر تحقيقات مع متهم دون إحالته إلى النيابة العامة، كل ماحدث مخالف للقانون ولكن نحن اليوم نتحدث عن سلطة السلاح وليست سلطة القانون.”

الجدير بالذكر أنه لا توجد نقابة موحدة في ليبيا تعني بحماية الصحفيين، وتسجل لدى مفوضية المجتمع المدني، التي تسيطر عليها حكومة الدبيبة، ولا تعمل وفق قوانين أحكام طبيعة العمل المدني المنفصل عن أداء الحكومة لمتابعة وتقييم أداءه، والضغط عليه من أجل تحقيق نجاحات لبعض القضايا.

ونشر الجهاز يوم الأمس، بيانا آخر قال فيه إنه تم القبض على، مدير عام مركز المعلومات والتوثيق الاقتصادي بوزارة الاقتصاد، حسن يوسف اللموشي، حيث ذكر اسم اللموشي ضمن الفيديو الذي تحدث فيه السنوسي عن مصادره التي يستقي منها معلوماته.

وبعد القبض على السنوسي من أمام بيته عقب وصوله من تونس، انتشر وسم على منصات التواصل الاجتماعي “#الحرية_لسنوسي” وانتشر خلال ساعات بين الآلاف من أصدقاءه وزملاءه ومتابعين له مثنيين على برنامجه الذي يناقش ملفات الفساد.

وبحسب موقع الشفافية العالمية، الاتحاد الدولي ضد الفساد، حصلت ليبيا على 18 نقطة من أصل 100 نقطة على مؤشر مدركات الفساد لعام 2023، الذي أعدته منظمة الشفافية الدولية.

وبلغ متوسط مؤشر الفساد في ليبيا 20.05 نقطة من عام 2003 حتى عام 2023، وبلغ أعلى مستوى على الإطلاق عند 27.00 نقطة في عام 2006 وأدنى مستوى قياسي عند 14.00 نقطة في عام 2013.

يصنف مؤشر مدركات الفساد البلدان والأقاليم بناءً على مدى فساد القطاع العام، وتشير درجة البلد أو الإقليم إلى المستوى المتصور للفساد في القطاع العام على مقياس من 0 (فاسد للغاية) إلى 100 (نظيف للغاية).

وقال أحد الصحفيين في قناة محلية مقرها تركيا: “إذا يتم انتزاع المعلومات بسلطة العنف من صحفي لإجباره على الإفصاح عن مصادره، فهذا مؤشر خطير جدا، ويمكن أن نعيشه نحن أنفسنا يوما ما.”

وأضاف: “ما حدث كارثة بالفعل وسينتج عنه أيضا مشاكل لتلك المصادر التي أفصح عنها أحمد.”

ويقول إعلامي آخر، إن ما حدث سيصعب علينا العمل أكثر والحفاظ على مصادرنا، والوزير الحويج يقدم شكوى ضد من يناقش حالات الفساد ولكن لن نراه يقدمها ضد من يمارس الفساد.

وأضاف: “المسؤولين في ليبيا يكرروا دعواتهم للشفافية والإفصاح عن الأنفاق كنوع من الشعبوية الكلامية فقط، لأن في واقع الأمر من يتحدث أو يناقش أو يقترب من هذه الملفات نهايته لا يحمد عقباها.”

ومن بين ما أدلى به السنوسي ضمن فيديو التحقيق معه، قال إنه يتقاضى قرابة 13 الف دولار أمريكي شهريا، وذلك عبر دعم لبرامجه من رجل الأعمال الليبي، حسني بي، صاحب مجموعة HB، والذي كان ضيفه مرارا وتكرارا في عدة حلقات.

تسبب هذا التصريح في انتقاد حاد له من شريحة واسعة من المجتمع الليبي، حيث يقول البعض كيف لشخص يحارب الفساد أن يتقاضى مثل هذا المرتب!

بينما رأى آخرون أن كل ما قاله السنوسي كان بالاكراه ليكون السنوسي الفزاعة لكل صحفي أو إعلامي يحاول فتح إي ملف فساد ليبيا.

وفي صفحته على الفيسبوك التي يتابعها قرابة ربع مليون شخص، نشر السنوسي ليلة الأمس الأربعاء قائلا: “اللهم إني أعوذ بك من قهر الرجال”.