طرابلس تحت حكم الوفاق.. جائع أهلها غير آمنون

0
261
فايز السراج ومصطفى صنع الله
فايز السراج ومصطفى صنع الله

قبل أيام أعلنت حكومة الوفاق الليبية، فرض حظر التجوال الكامل على مدار 24 ساعة، ضمن إجراءاتها الاحترازية لمنع تسرب وانتشار فيروس كورونا المستجد.

القرار أسفر عن حالة هلع بين سكان المناطق الخاضعة لسيطرتها، دفعت بهم إلى الأسواق التجارية؛ لشراء المواد الغذائية وتخزينها، مع اقتراب شهر رمضان المبارك.

ولم يتمكن بعض السكان من توفير احتياجاتهم، نظراً للتكدس على المنافذ التجارية، وعدم وجود أموال بالمصارف ووقف الرواتب، وهي الأزمة المستمرة منذ سنوات.

لا سلع غذائية ولا أموال لشرائها
وفي اليوم الأول من حظر التجوال تفاقمت أزمات السلع الغذائية مع تواصل أزمة السيولة، يقول محمد الكيلاني، صاحب 65 عاماً، حاملاً القليل من السلع (مكرونة وزجاجة زيت طعام وكيس ملح): “هذا كل ما أستطيع شراءه لعائلتي، فراتبي متوقف منذ سنوات، وأعتمد على ما أكسبه من العمل على سيارتي الخاصة في نقل البضائع”.

وفي إحدى المحال بوسط العاصمة طرابلس، حاول الكيلاني تخطي الصفوف المتراصة، لكن محاولاته باءت بالفشل، يضيف: “أنا متقاعد من الجيش الليبي بسبب ظروفي الصحية، ولدي ثلاثة أبناء يعملون جميعاً لسد رمق الأسرة”.

رثى الكيلاني حال بلاده، بقوله: “نحن دولة بترول وإيراداته تصل بالمليارات ولا نرى حتى الملاليم من هذه الثروة”.

لم تكن نقص السلع وحدها الأزمة في وجه المترددين على المحال، بل ارتفاع الأسعار كان الأكثر مرارة، ففي حالة وجد أحدهم ضالته، تفاجئ من ارتفاع سعرها، فيتركها مجدداً. هكذا بدا المشهد، غير أن سيدة مسنة عولت على المجمعات الإستهلاكية.

تقول السيدة: “أين المجعمات الاستهلاكية لنأخذ ما نريد بأرخص الأسعار، لماذا أغلقت؟”، ليكمل أحد الواقفين: “عليك بالدعاء يا أمي، كل ما يهمهم الآن جمع المال وليس تقديم الخدمات للمواطن”.

توقف المجمعات الاستهلاكية
وكانت دولة ليبيا المنتج الثالث للنفط في شمال إفريقيا، تقدم جُل الخدمات بتكاليف رخيصة عبر المجمعات الاستهلاكية، لكن ومنذ عام 2018 توقف البنك المركزي عن فتح الاعتمادات المستندية لجهاز دعم السلع التموينية؛ لتمنحه القدرة على جلب السلع الأساسية بثمن أقل من القطاع الخاص.

رئيس مجلس إدارة صندوق موازنة الأسعار جمال الشيباني، فسر أسباب الأزمة في وقت سابق، بقوله: الصديق الكبير محافظ البنك المركزي يفضل أن يعطي الاعتمادات للقطاع الخاص بشكل حصري وهذا ما سبب ارتفاع الأسعار على المواطن”، مضيفاً: “لم نتحصل على الاعتمادات بالرغم من مناشداتنا المستمرة لوزارة الاقتصاد ورئاسة الحكومة”.

الأمر في طرابلس يزداد سوءاً، مع تأخر دفع الرواتب في كافة قطاعات الدولة، لفترة زادت عن 3 أشهر، مع استمرار التلاعب بمشاعر المتضررين، بأنباء يومية عن الإفراج عن الرواتب، لكن سرعان ما يتم نفيها بدعوى أسباب فنية، في أمر أشبه بالفوضى.

فوضى المرتبات
هذه الفوضى تحدث عنها رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج، قبل أيام، بقوله: “هناك أسباب غير مقنعة في تأخر الرواتب من قبل المصرف المركزي، الذي أصبح صندوقاً أسوداً لا نعلم ما يجري في داخله”، موجهاً حديثه للصديق الكبير.

ويشغل الكبير منصب محافظ المصرف منذ أكتوبر 2011، على الرغم من أن مجلس النواب، أقاله منذ ثلاثة سنوات.

وتنعكس تداعيات هذا الانقسام بين السراج والكبير، على المواطن الليبي ومعاناته اليومية، فما بين ارتفاع الأسعار وتأخر الرواتب في المصارف التجارية وفرض التجوال لمدة عشرة أيام والتجهيز لشهر رمضان، يقول أحد المواطنين للشاهد: “على ما يبدو أن السراج والكبير يريدون مننا الصوم الليل نهار”.

تدهور الأوضاع الاقتصادية

يقول صانع قهوة: “أغلقت المقهى الذي كنت أعمل به بسبب انتشار كورونا، كنت أكسب يوميا قرابة سبعين دينار ولكن الآن ليس لدي أي دخل”، مستطرداً: “سمعت أن الحكومة خصصت قرابة 500 مليون دينار ليبي لمواجهة الفيروس، كنت أعتقد أننا أصحاب الدخل اليومي سيكون لنا دعم خاص”.

ضحك صاحب الـ 3 أبناء: “نسيت أننا نعيش في بلد تحكمه الفوضى، ولم تعط فيها الرواتب الأساسية فكيف يعطوني أنا”.

وعلى مقربة من مبنى حكومة طرابلس، اضطر مواطن ليبي لأخذ ما يريده من محل الخضار بالأجل “الدين”. وارتفعت أسعار الخضار بشكل كبير حيث وصل كيلو الطماطم إلى 6 دينار، والبطاطا إلى 4 دينار.

ويعيش البلد الممزق بالحروب والنزاعات في فوضى كبيرة، منذ أحداث فبراير 2011، بسبب انتشار الجماعات المتطرفة والمسلحة، والمتمركزة في السنوات الأخيرة في العاصمة طرابلس، وهو ما أدى إلى تردى قطاعات الدولة العامة، وعلى رأسها: الصحة والتعليم والمؤسسات الأمنية.

مشاريع وهمية ومستشفيات غير جاهزة
ويستمر المجلس الرئاسي منذ وصوله عام 2016، على متن فرقاطة إيطالية من تونس إلى طرابلس، في عدم تقديم خدمات للمواطنين، بالرغم من حصوله على ميزانيات وصلت إلى 48 مليار دينار في العام الواحد.

وكثيراً ما يعلن الرئاسي عن “مشاريع تنموية” تبدأ وتنتهي بمراسم وضع الحجر الأساس ولكن لا ترى أيا من هذه المشاريع النور إلى يومنا هذا.
ويتخوف الكثير من انتشار فيروس كورونا، في ظل عدم جاهزية المستشفيات العامة لمواجهة الفيروس بسبب الإهمال وعدم التمويل خلال السنوات الماضية.

وأعلنت ليبيا عن طريق المركز الوطني لمكافحة الأمراض حتى الآن عن تسجيل 49 حالة موجبة حاملة لفيروس كورونا، وحالة وفاة واحدة، و11 حالة حالة شفاء على مستوى البلاد.

انقطاع التيار الكهربائي
ويعاني مواطنو طرابلس والمناطق الخاضعة لحكومة الوفاق من انقطاع التيار الكهربائي، حيث تتعمد المجموعات المسلحة فرض قوتها على الحكومة بإغلاق صمامات المياه لمشروع النهر الصناعي العظيم- الجهاز المسؤول عن إمدادات المياه في البلاد منذ الثمانيات- كذلك سرقة محطات الكهرباء من أجل تحقيق مطالب شخصية.

وكثيراً ما تؤدي هذه الأعمال الخارجة عن القانون إلى حالة انهيار للشبكة وبالتالي تدخل المدينة في إظلام تام.

تقول السيدة عربية لـ”صحيفة الشاهد”، وهي تملئ “غالونات المياه” من بئر لماء سبيل في إحدى المساجد: “هذه المليشيات تعرف جيدا أن الحكومة ضعيفة وأنها ستخضع لطلباتها، ولهذا السبب تتكرر مثل هذه الأفعال والخاسر الأول هو المواطن”.