شهد عام 2025 تراجعًا واضحًا في حضور جماعة الإخوان داخل المشهد السياسي الليبي، سواء على مستوى الشارع أو داخل المؤسسات، بعد سنوات من الاعتماد على تحالفات هشة ونفوذ غير مباشر عبر الميليشيات في غرب البلاد. هذا التراجع لم يكن وليد قرار دولي مفاجئ، بل نتيجة تراكمات طويلة من الإخفاقات السياسية والاقتصادية والأمنية، التي حمّل قطاع واسع من الليبيين الجماعة مسؤوليتها، باعتبارها جزءًا من منظومة حكم فشلت في إدارة الدولة وتلبية تطلعات المواطنين.
الضربة الأشد للجماعة جاءت مع توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا يوجّه وزارتي الخارجية والخزانة للبدء في إجراءات تصنيف جماعة الإخوان وفروعها كمنظمات إرهابية، استنادًا إلى قوانين الهجرة والجنسية والصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية. القرار، الذي شمل فروعًا في مصر والأردن ولبنان، فتح الباب أمام إدراج فروع أخرى ضمن المراجعة الجارية، بما في ذلك الشبكات العابرة للحدود ذات الصلة بالنشاط السياسي والمالي للجماعة.
البيت الأبيض أوضح أن الخطوة جاءت بعد اتهامات بدعم جماعات متطرفة، وتمويل أنشطة تهدد الأمن القومي الأمريكي وحلفاء واشنطن، مع التأكيد على أن التصنيف سيتيح تجميد الأصول، وفرض قيود على السفر، وتجريم أي دعم مادي أو لوجستي للكيانات التابعة للإخوان. وبالنسبة للفرع الليبي، فإن القرار يمثل تهديدًا مباشرًا لقدرات الجماعة على الحركة والتمويل، خاصة في ظل اعتمادها خلال السنوات الماضية على قنوات خارجية وشبكات دعم إقليمية.
ولم تكن جماعة الإخوان في موقع قوة داخل ليبيا حتى قبل القرار الأمريكي، إذ سبق لمجلس النواب أن حظرها رسميًا عام 2019، في خطوة اعتُبرت حينها إعلانًا سياسيًا بسحب الشرعية عنها.
وأظهرت نتائج انتخابات المجالس البلدية التي جرت خلال 2025 مؤشرات قوية على تراجع نفوذ الجماعة، بعد خسارة قوائم محسوبة عليها في عدد من البلديات، ما عكس اتساع دائرة الرفض الشعبي لمشروعها السياسي.
هذه الخسائر الانتخابية لم تكن استثناءً، بل امتدادًا لمسار طويل من التراجع بدأ منذ خسارة الجماعة الانتخابات البرلمانية عام 2014، ورفضها القبول بنتائجها، وهو ما أسهم بشكل مباشر في تعميق الانقسام السياسي الذي لا تزال ليبيا تعاني تداعياته حتى اليوم.
ويرى مراقبون أن الجماعة فقدت منذ ذلك الوقت أي سند شعبي حقيقي، وأن نفوذها في بعض مفاصل غرب البلاد استند إلى القوة المسلحة والتحالفات المؤقتة، وليس إلى شرعية انتخابية.
خلال 2025، تفاقمت الانقسامات داخل صفوف الجماعة نفسها، بين تيار يدعو إلى الانكفاء والعمل السياسي المحدود داخل الأطر القانونية، وتيار آخر يتمسك بخيارات أكثر تشددًا، بما في ذلك الحفاظ على قنوات النفوذ العسكري غير المباشر. هذا الانقسام أضعف قدرتها على اتخاذ موقف موحد، وجعلها أقل تأثيرًا في معادلات الصراع والتفاوض.
ومع دخول عام 2026، تبدو خيارات جماعة الإخوان في ليبيا محدودة. فالتصنيف الأمريكي المحتمل سيزيد من عزلة الجماعة دوليًا، ويضع أي حكومة أو كيان ليبي يتعاون معها تحت طائلة الضغوط والعقوبات. كما أن تراجع الدعم الإقليمي، وتنامي الوعي المجتمعي الرافض للإسلام السياسي، يقلصان هامش المناورة أمامها.
في المحصلة، يبدو أن جماعة الإخوان في ليبيا تدخل مرحلة أفول سياسي تدريجي، بعد أن فقدت رصيدها الشعبي، وتآكل نفوذها المؤسسي، واصطدمت بمتغيرات دولية غير مواتية. وسيكون عام 2026 اختبارًا حاسمًا لها، قد ينتهي إما بتحولها إلى فاعل هامشي محدود التأثير، أو بخروجها الكامل من المشهد السياسي الليبي، بعد سنوات من الحضور المثير للجدل.
- الحكومة الليبية المكلفة تحذر من توظيف القضاء في الصراعات السياسية

- ليبيا.. حكومة الوحدة تعلن دعمها لموقف المحكمة العليا ضد مجلس النواب

- جماعة الإخوان في ليبيا.. تراجع النفوذ في 2025

- حصاد ليبيا 2025.. عام التحولات الكبرى والأزمات المفتوحة

- بتهمة اختلاس 6 ملايين دينار.. النيابة الليبية تحبس مسؤولين بالمصرف الزراعي





