ليبيا على أعتاب 2026.. آمال سياسية تصطدم بانقسامات عميقة واستحقاقات مؤجلة

0
129
علم ليبيا
علم ليبيا

تدخل ليبيا عام 2026 وهي مثقلة بإرث أزمة ممتدة منذ أكثر من عقد، لكنها في الوقت نفسه محمّلة بتوقعات وآمال بإمكانية تحقيق انفراجة سياسية تنهي سنوات الانقسام والصراع.

ويرى مراقبون أن العام المقبل سيكون مفصلياً، إذ يضع البلاد أمام استحقاقات كبرى، في مقدمتها إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وتوحيد المؤسسات المنقسمة بين الشرق والغرب، غير أن الطريق نحو هذه الأهداف لا يزال محفوفاً بتعقيدات سياسية وأمنية وتشريعية.

ومنذ انهيار نظام معمر القذافي عام 2011، لم تنجح ليبيا في الخروج من دائرة العنف والاضطراب، رغم تعدد المبادرات الإقليمية والدولية، ويشير خبراء إلى أن التدخلات الخارجية، وتضارب المصالح الدولية، عمّقت الانقسام الداخلي، وأسهمت في إطالة أمد الأزمة، ما حرم الليبيين من الاستفادة من ثروات بلادهم وإمكاناتها الاقتصادية.

ويستمر المشهد السياسي في ليبيا تحت وطأة ازدواج السلطة، بوجود حكومتين متنافستين، إحداهما تسيطر على الغرب، والأخرى تدير الشرق وأجزاء من الجنوب، في ظل مؤسسات سيادية منقسمة، ومشهد أمني هش، وتعدد في مراكز النفوذ، وهو واقع يجعل أي مسار سياسي، وعلى رأسه الانتخابات، عرضة للتعطيل أو الانزلاق إلى إعادة إنتاج الأزمة بدل حلّها.

ورغم ذلك، يلاحظ البعض أن منسوب التفاؤل يبدو أعلى مقارنة بسنوات سابقة، في ظل تحركات أممية جديدة، وحديث متزايد عن خارطة طريق سياسية تستهدف كسر الجمود؛ إلا أن هذا التفاؤل يرافقه حذر شديد، إذ يعتقدون أن الفجوة بين الطموحات المعلنة والقدرة الفعلية على التنفيذ لا تزال واسعة.

وفي مقدمة الاستحقاقات المطروحة، يبرز ملف الانتخابات، التي يُنظر إليها بوصفها المخرج الأهم من الأزمة، لكن في المقابل يراها آخرون مغامرة غير محسوبة في ظل غياب توافق حقيقي على القواعد الدستورية والقانونية، وشكل النظام السياسي، إضافة إلى غياب بيئة أمنية موحدة، حيث يشير مختصون إلى أن تحديد مواعيد زمنية ضيقة لإجراء الاقتراع، دون معالجة هذه الإشكالات، قد يؤدي إلى تعميق الانقسام بدل توحيد الشرعية.

وتُجمع قراءات تحليلية على أن الخلافات بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة تمثل إحدى العقد الرئيسية أمام أي تقدم، سواء في ملف القوانين الانتخابية أو في إعادة تشكيل مفوضية الانتخابات، أو في شغل المناصب السيادية، كما أن تعثر عمل لجنة (6+6) المكلفة بإعداد الإطار القانوني للانتخابات، واستمرار الجدل حول شروط الترشح وآليات الاقتراع، يعكسان حجم التعقيد الذي يواجه هذا المسار.

بينما على المستوى الأمني، يظل انتشار السلاح، وتعدد التشكيلات المسلحة في فرب ليبيا، وغياب مؤسسة عسكرية موحدة، يشكل تحدياً مباشراً لأي عملية انتخابية شاملة، وعلى الرغم من النجاح النسبي لبعض الاستحقاقات المحلية، فإن تعميم التجربة على المستوى الوطني يظل محفوفاً بالمخاطر، خصوصاً في مناطق شهدت اشتباكات أو توترات خلال فترات قريبة.

وفي إطار توقعات عام 2026 على الصعيد الدولي، يشير مراقبون إلى أن المجتمع الدولي لا يزال يتعامل مع الأزمة الليبية بمنطق إدارة الصراع أكثر من السعي إلى حله جذرياً، عبر موازنة المصالح والحفاظ على التوازنات، بدل الضغط الجاد لفرض تسوية شاملة تعيد بناء الدولة ومؤسساتها على أسس سيادية مستقرة.

ويبرز “الحوار المهيكل” الذي أطلقته بعثة الأمم المتحدة كأحد المسارات الجديدة، ويُنظر إليه باعتباره محاولة لتوسيع دائرة المشاركة السياسية وإنتاج توصيات تمهّد لتوافق أوسع، غير أن محللين يشككون في قدرته على إحداث اختراق حقيقي، في ظل طابعه غير الملزم، وتكرار تجارب حوارية سابقة لم تفضِ إلى نتائج ملموسة.

وبين التفاؤل الحذر والتشاؤم الواقعي، يرسم خبراء عدة سيناريوهات محتملة لعام 2026: الأول يتمثل في التوصل إلى توافق يقود إلى انتخابات تُنتج شرعية موحدة، وهو السيناريو الأكثر تفاؤلاً لكنه الأصعب تحقيقاً؛ والثاني إجراء اقتراع منقوص أو متعثر يزيد الانقسام؛ أما الثالث فيتمثل في تأجيل جديد تحت عناوين توافقية، يكرّس حالة الجمود.

ويرى مراقبون أن التحدي الأكبر لا يكمن فقط في تنظيم الانتخابات، بل في توحيد السلطة والمؤسسات، ومعالجة جذور الأزمة السياسية، وعلى رأسها مسألة الشرعية والسيادة وتضارب مراكز القرار، ووفق هذه الرؤية، فإن أي حل جزئي أو مؤقت، لا يعالج هذه القضايا البنيوية، سيبقى عرضة للانهيار.

وفي المحصلة، يبدو عام 2026 محطة اختبار حقيقية للمسار الليبي، بين إمكانية كسر الحلقة المفرغة التي علقت فيها البلاد لسنوات، أو استمرار مسلسل التأجيل وإعادة إنتاج الأزمة بأشكال جديدة، في انتظار توافق داخلي حاسم وإرادة سياسية قادرة على تحويل الفرص إلى واقع.