هل تهز أزمة “العملة المزورة” ثقة الليبيين في نظامهم المالي؟

0
155

تشهد الساحة الليبية جدلًا واسعًا بعد إعلان مصرف ليبيا المركزي اكتشاف كميات ضخمة من العملة المحلية طُبعت خارج الأطر القانونية، في واحدة من أخطر القضايا التي تهدد الاستقرار المالي والنقدي في البلاد.

ففي أحدث بياناته، كشف مصرف ليبيا المركزي عن وجود فارق يقدر بنحو 6.5 مليار دينار من فئة العشرين دينارًا (الإصدار الثاني المطبوع في روسيا)، وهي مبالغ لم تُسجل ضمن القيود الرسمية للمصرف في بنغازي، ما يعني أنها لم تخضع للإجراءات القانونية المنصوص عليها في قانون المصارف الليبي.

وأشار المصرف إلى أن هذه الكميات دخلت السوق خارج القنوات الرسمية، وتسببت في ضغوط كبيرة على سعر صرف الدينار الليبي وزيادة الطلب على العملات الأجنبية في السوق الموازي، إلى جانب مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، الأمر الذي دفعه إلى سحب عدد من الفئات النقدية واستبدالها بأخرى جديدة أكثر أمانًا.

وأوضح البيان أن إجمالي ما تم سحبه من العملة حتى الآن بلغ نحو 47 مليار دينار، بينها ما يقارب 10 مليارات دينار غير معلومة المصدر، مؤكدًا أن المصرف تعاقد على طباعة 60 مليار دينار جديدة لتعويض الكميات المسحوبة وضمان استقرار السيولة في السوق المحلية.

القضية لم تكن الأولى من نوعها؛ ففي يونيو الماضي، أعلن المصرف عن اكتشاف 3.5 مليار دينار مزوّرة من فئة الخمسين دينارًا، طُبعت أيضًا خارج البلاد دون إذن رسمي، ما اضطره حينها إلى سحب تلك الفئة بالكامل من التداول.

وفي ظل هذه التطورات، طالب المجلس الأعلى للدولة بفتح تحقيق جنائي عاجل في ظروف وملابسات إصدار هذه الفئات غير القانونية، معتبرًا أن الواقعة تشكل “خرقًا جسيمًا للقانون المالي والمصرفي” وتمس السيادة النقدية للدولة. ودعا المجلس النائب العام وديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية إلى تحديد المسؤوليات المؤسسية والشخصية داخل مصرف ليبيا المركزي أو أي جهة أخرى متورطة في هذه العملية.

كما بحث رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة مع رئيس هيئة الرقابة الإدارية عبد الله قادربوه الإجراءات القانونية الواجب اتخاذها ضد الجهات أو الأفراد المتورطين في عمليات تزييف العملة، وشددا على ضرورة التنسيق بين المؤسسات الرقابية والمالية لحماية الاقتصاد الوطني.

من جهتها، وصفت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، هانا تيتيه، خلال إحاطتها الأخيرة أمام مجلس الأمن، القضية بأنها “ممارسة غير قانونية تُقوّض الثقة بالدينار الليبي وتُبرز الحاجة لتعزيز النزاهة المالية والمساءلة”، مؤكدة أن حجم الأموال غير المشروعة المكتشفة هذا العام تجاوز 10 مليارات دينار.

ويرى مراقبون أن هذه الفضيحة المالية قد تفتح الباب أمام أزمة ثقة أعمق في النظام المصرفي الليبي، في وقت لا تزال فيه مؤسسات الدولة منقسمة بين الشرق والغرب، ما يعيق الرقابة الموحدة ويزيد من هشاشة الاقتصاد الوطني.

ومع استمرار التحقيقات والدعوات إلى المساءلة، يبقى السؤال الأهم مطروحًا: هل تنجح المؤسسات الليبية في كشف المتورطين في طباعة وترويج العملة المزورة، أم تظل القضية عنوانًا جديدًا لأزمة الثقة في النظام المالي؟