انفراجة جديدة.. هل يكتمل توافق الليبيين على ملف المناصب السيادية؟

0
143

تلوح في الأفق بوادر انفراجة جديدة في المشهد السياسي الليبي بعد الإعلان، الخميس، عن اتفاق بين ممثلين عن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة حول تسمية أربعة مناصب سيادية رئيسية، في خطوة أعادت الأمل بإمكانية تجاوز حالة الجمود التي طبعت الحوار السياسي خلال السنوات الأخيرة. 

ففي وقت تتعثر فيه جهود التوافق على القاعدة الدستورية والانتخابات العامة، يبدو أن المؤسسات التشريعية قررت فتح نافذة جديدة من خلال محاولة إعادة تشكيل مفاصل الدولة العليا.

الاتفاق الذي تسرّبت تفاصيله إلى وسائل الإعلام، يقضي بأن يتولى كل مجلس اختيار مرشحيه وفق الجهات المسندة إليه، على أن تُحال القائمة النهائية لاعتمادها رسميًا من مجلس النواب.

ويمنح التفاهم الأولوية لتشكيل مجلس إدارة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، بوصفها حجر الزاوية في تنفيذ خريطة الطريق الأممية، إلى جانب اختيار رؤساء هيئات الرقابة الإدارية، وديوان المحاسبة، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.

من حيث الشكل، يمثل الاتفاق تطوراً إيجابياً في مسار الحوار بين المجلسين بعد سنوات من التباعد، ويكشف عن رغبة أولية في بناء أرضية مشتركة يمكن أن تمهّد لاحقًا لتوحيد المؤسسات الاقتصادية والرقابية، وتهيئة المناخ لإجراء الانتخابات العامة.

لكن من حيث المضمون، يظل السؤال مطروحاً حول مدى قدرة هذا التفاهم على تجاوز منطق “تقاسم النفوذ” إلى منطق “إعادة بناء الدولة”.

ويرى مراقبون أن الأزمة الليبية أعمق من مجرد توزيع للمناصب، إذ تتصل بانقسام مؤسساتي وهيكلي وصراع متجذّر على الشرعية بين الشرق والغرب، تغذيه تدخلات إقليمية ودولية متشابكة.

كما أن استمرار الانقسام الأمني وتعدد مراكز القرار يفرضان تحديات حقيقية أمام أي اتفاق سياسي، مهما بدا واعداً على الورق.

وبالتالي فإن التطبيق الفعلي للاتفاق هو الاختبار الأهم، خاصة في ظل غياب ضمانات تنفيذ واضحة، واحتمال بروز اعتراضات من قوى سياسية ومناطقية ترى نفسها خارج معادلة المحاصصة الجديدة.

ويتخوف متخصصون من أن تضارب الصلاحيات مع المحكمة الدستورية قد يعيد الملف إلى نقطة الصفر، إذا لم تتوافر إرادة سياسية حقيقية لفرض احترام المسارات القانونية.

ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن هذا التفاهم يشكّل “نافذة أمل” في مسار طويل وشائك، فإذا تم تطبيقه بشفافية وضمن جدول زمني واضح، فقد يسهم في تعزيز الثقة المتبادلة وتهيئة الأرضية لحوار وطني أوسع. 

أما إذا تحول إلى مجرد تقاسم للسلطة بين مؤسستين تخشيان فقدان نفوذهما، فسيظل حبرًا على ورق، ويمثل حلقة جديدة في مسلسل تمديد الأزمة.

وختامًا، تبقى الإشكالية الجوهرية التي تعرقل كل تفاهمات النخبة الليبية هي غياب الاتفاق على “مفهوم الدولة” ذاته، فبدون هذا المفهوم الجامع، ستظل كل الانفراجات مؤقتة، وكل التوافقات شكلية، فيما يواصل الشعب الليبي دفع ثمن زمنٍ طويل من الانقسام والانتظار.