الدولار تحت ضغط.. إلى أين يتجه سعر الصرف في ليبيا؟

0
157

تشهد السوق الموازية للعملات في ليبيا تطورات متسارعة خلال الأيام الأخيرة، مع تراجع سعر صرف الدولار إلى ما دون سبعة دنانير، وسط تحركات أمنية ونقدية متزامنة تهدف إلى كبح المضاربة والحد من الفوضى. هذا المشهد يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى قدرة هذه الإجراءات على تثبيت الاستقرار النقدي، في ظل اقتصاد هش يطغى عليه الإنفاق العام والاقتصاد غير الرسمي.

فقد أغلقت وحدات أمنية تابعة لوزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية سوق المشير في طرابلس لليوم الثاني على التوالي، ومنعت عمليات البيع المباشر للعملة الأجنبية. خطوة اعتبرها مراقبون محاولة لفرض الانضباط على واحدة من أكثر بؤر المضاربة نشاطًا في السوق الموازية. هذه التحركات انعكست سريعًا على الأسعار، حيث سجل الدولار 6.94 دينار في بنغازي و6.97 دينار في طرابلس، وهو أدنى مستوى منذ أشهر.

وبالتوازي، واصل مصرف ليبيا المركزي إطلاق حزمة من الإجراءات النقدية، شملت رفع نسبة الاحتياطي الإلزامي بما أدى إلى امتصاص نحو 16 مليار دينار من السيولة، وإصدار شهادات إيداع مضاربة يُتوقع أن تسحب 15 إلى 16 مليار دينار إضافية، وإدخال منظومة التسويات اللحظية للحد من الفساد وتحسين كفاءة الإنفاق، فضلًا عن ضخ 500 مليون دولار شهريًا لشركات الصرافة لتوفير العملة الأجنبية بأسعار رسمية. وبحسب خبراء الاقتصاد فإن هذه الخطوات ساهمت في تحييد نحو 30 مليار دينار من السوق، ما خفف الضغط على سعر الصرف ولو بشكل مؤقت.

لكن على الرغم من هذه التحركات، يرى اقتصاديون أن السوق الموازية باتت ركنًا ثابتًا في المشهد الليبي، إذ يقدَّر حجم الاقتصاد غير الرسمي بما يفوق نصف حجم الاقتصاد الوطني. هذا الواقع جعل من “الموازي” مرجعًا فعليًا للأسعار والتعاملات، فيما تراجع تأثير السعر الرسمي الذي يحدده المركزي. ويرى مراقبون أن أكثر من 60% من الاقتصاد يُدار خارج القنوات الرسمية، وأن استمرار الفارق بين السعرين الرسمي والموازي يجعل من المستحيل القضاء على السوق الموازية بشكل كامل.

ويجمع المختصون على أن أزمة الدولار في ليبيا ليست فنية فحسب، بل سياسية واقتصادية بالدرجة الأولى. فارتفاع الإنفاق الحكومي، الذي يلتهم عشرات المليارات في المرتبات ودعم المحروقات، يظل العامل الأبرز في الضغط على الدينار. كما أن غياب الشفافية في البيانات الرسمية، ووجود واردات استهلاكية غير ضرورية، يعمّق الأزمة ويُبقي السوق في حالة اضطراب دائم.

ويرى مراقبون أن الهبوط الأخير في سعر الصرف يعكس حالة من السكينة المؤقتة أكثر مما يعكس استقرارًا مستدامًا. فالمصرف المركزي، رغم محاولاته، يفتقر إلى الأدوات الكاملة لفرض السيطرة على سوق موازية مترامية الأطراف، فيما يبقى نجاح أي إصلاحات مرهونًا بتقييد الإنفاق الحكومي، وتوحيد مؤسسات الدولة، ووضع رؤية اقتصادية متكاملة توازن بين السياسات المالية والتجارية والنقدية. وبينما تترقب الأسواق ما سيعلنه المركزي من “إجراءات جوهرية” خلال الفترة المقبلة، يظل السؤال مطروحًا: هل تنجح هذه الخطوات في إعادة الثقة إلى الدينار الليبي، أم أن السوق الموازية ستفرض كلمتها مجددًا؟