عمر المختار.. 94 عاماً على استشهاد أسد الصحراء ورمز المقاومة الليبية

0
140
عمر المختار
عمر المختار

تمر اليوم الذكرى الرابعة والتسعون لاستشهاد شيخ المجاهدين عمر المختار، الرمز الأبرز في تاريخ النضال الليبي والعربي ضد الاستعمار الأجنبي، والذي قاد على مدى عقدين من الزمن ملحمة جهادية ضد الغزو الإيطالي انتهت بإعدامه شنقاً في السادس عشر من سبتمبر عام 1931.

ولد عمر المختار في العشرين من أغسطس عام 1858 بقرية جنزور في منطقة البطنان شرق ليبيا. فقد والده مبكراً أثناء رحلة الحج إلى مكة، فتولى مشايخ الزاوية السنوسية رعايته وتعليمه، فشبّ على القيم الدينية والوطنية التي غرست فيه روح الجهاد والتضحية. التحق بالمعهد الجغبوبي وتلقى علوم القرآن والشريعة، ومنذ شبابه ارتبط بالسنوسية التي اعتبرها مصدر قيمته ومكانته، فحاز ثقة مشايخها حتى أسندوا إليه مهام القيادة والإشراف على عدد من الزوايا، منها زاوية القصور بالجبل الأخضر عام 1897، كما رافق محمد المهدي السنوسي إلى تشاد حيث ساهم في نشر تعاليم الإسلام وشارك في المعارك ضد القوات الفرنسية، ثم عاد لاحقاً إلى ليبيا ليتولى قيادة معسكرات السنوسية في الجبل الأخضر.

مع اندلاع الغزو الإيطالي لليبيا في سبتمبر 1911، سارع عمر المختار إلى العودة إلى الجبل الأخضر وتنظيم المقاومة الشعبية، فشارك في معركة السلاوي ضد الغزاة، ثم تولى قيادة المجلس الأعلى للعمليات الجهادية بعد انسحاب الأتراك إثر معاهدة لوزان عام 1912. منذ ذلك الحين أصبح قائداً فعلياً للمقاومة الليبية، يقود مئات المعارك في الجبل الأخضر والصحراء، مكبداً الجيش الإيطالي خسائر كبيرة، ومعتمداً أسلوب حرب العصابات الذي أربك قوات الاحتلال وأجبرها على خوض حرب استنزاف طويلة.

وعلى الرغم من انسحاب بعض القيادات السنوسية إلى مصر عام 1922، ظل عمر المختار متمسكاً بالميدان، مواصلاً قيادة المقاومة بإصرار نادر. حاول الإيطاليون استمالته للتفاوض عام 1929، غير أنه رفض رفضاً قاطعاً أي حل يقوم على وقف القتال أو مغادرة ليبيا، مؤكداً أن خياره الوحيد هو الاستمرار في الجهاد حتى دحر المحتل. وفي عام 1931 وقع في الأسر بعد معركة غير متكافئة، ليُقدم إلى محاكمة عسكرية صورية في بنغازي انتهت بالحكم عليه بالإعدام شنقاً، ونُفذ الحكم في صباح السادس عشر من سبتمبر أمام جموع غفيرة من الليبيين الذين شهدوا رحيل قائدهم.

قبيل استشهاده، سجّل عمر المختار كلمات خالدة وجهها إلى ضباط الاحتلال قائلاً: “نحن لا نستسلم.. ننتصر أو نموت، وهذه ليست النهاية، بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه، أما أنا فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي”. كلمات تحولت إلى وصية ملهمة ورمز للحرية والصمود في وجه الاستعمار.

بعد أربعة وتسعين عاماً على استشهاده، يظل عمر المختار حياً في وجدان الليبيين والعرب والمسلمين، نموذجاً للزعيم المقاوم الذي قدّم حياته دفاعاً عن وطنه، ورمزاً خالداً للتضحية والإصرار على الحق، وصوتاً يذكر الأجيال بأن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع بالجهاد والصمود.

وتشهد ليبيا هذه الأيام فعاليات متعددة لإحياء ذكرى استشهاد عمر المختار، حيث تنظم المؤسسات الرسمية والمجتمعية ندوات ثقافية ومعارض صور وفعاليات طلابية في مختلف المدن، تأكيداً على استمرار إرثه الوطني والإنساني، وتجديداً للعهد بأن تضحياته ستظل نبراساً للأجيال القادمة في مسيرة الدفاع عن الحرية والاستقلال.