اتفاقات هشة.. هل يستمر “وقف التصعيد” في طرابلس؟

0
110
الإدارة العامة للعمليات الأمنية التابعة للحكومة المكلفة من مجلس النواب
الإدارة العامة للعمليات الأمنية التابعة للحكومة المكلفة من مجلس النواب

تعيش العاصمة الليبية طرابلس على وقع حالة من الترقب بعد الإعلان عن اتفاق أمني جديد بين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة وجهاز الردع لمكافحة الجريمة والإرهاب، يهدف إلى احتواء التوترات التي شهدتها المدينة خلال الأسابيع الماضية. 

الاتفاق، الذي جرى برعاية وساطات محلية وبتفاهمات -غير معلنة بالكامل – نص على ترتيبات لإعادة تموضع القوات وضبط حركة السلاح داخل العاصمة، لكنه لم يخلُ من مؤشرات هشاشة تهدد استمراره.

فمنذ سنوات، مثّلت طرابلس ساحةً للتجاذبات بين القوى المسلحة المختلفة، حيث تعجز الحكومات المتعاقبة عن فرض سيطرة مؤسسية كاملة على المشهد الأمني، بل كان بعضها جزء من الأزمة حكومة الوحدة، حيث تحالفت مع ميليشيات وانقلبت عليها، ما خلق حالة من التصعيد دفع مواطنين كثر ثمنها.

ويكشف تاريخ الاتفاقات السابقة أن معظمها لم يصمد طويلًا، بالاتفاق الذي تلى مقتل عبدالغني الككلي رئيس جهاز دعم الاستقرار لم يستمر طويلاً، وهو ما يرجعه مراقبون إلى غياب الثقة بين الفاعلين أو نتيجة تضارب المصالح حول مناطق النفوذ والموارد، ومن هذا المنطلق، ينظر مراقبون إلى الاتفاق الحالي باعتباره خطوة تهدئة أكثر منه حلاً جذرياً للصراع.

وأوضحت تقارير عدة أن الاتفاق تضمن التزامًا مشتركًا بعدم التصعيد الإعلامي، وإطلاق آلية للتنسيق الأمني بين جهاز الردع والقوة المشتركة التابعة لوزارة الداخلية، إضافة إلى بحث إعادة دمج بعض المجموعات المسلحة في أجهزة الدولة الرسمية، غير أن غياب جدول زمني واضح، وعدم وجود ضمانات تنفيذية، يثيران مخاوف من إمكانية انهياره عند أول اختبار ميداني.

وفي موازاة ذلك، أصدر أهالي سوق الجمعة بياناً أكدوا فيه التوصل إلى اتفاق نهائي برعاية تركية، مشددين على أن مذكرة التفاهم تشمل جميع الأطراف، وليس جهاز الردع وحده. البيان تضمّن رسائل واضحة برفض أي محاولة للتفرد أو التهرب من الالتزامات، مع التأكيد على أن الدخول في المفاوضات جاء حفاظاً على مدينة طرابلس من العبث والفوضى. 

إلى جانب ذلك، دخلت التصريحات السياسية على خط الأزمة، وقال مستشار رئيس المجلس الرئاسي زياد دغيم إن رئيس المجلس محمد المنفي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة توصلا إلى اتفاق يهدف إلى تعزيز الاستقرار وتطوير أداء المؤسسات الأمنية والعسكرية وفق معايير دولية، بما يرسخ حقوق الإنسان ويؤسس لنموذج عصري ديمقراطي يستحقه الليبيون في مختلف المدن والأقاليم.

وأوضح دغيم أن تفاصيل الاتفاق وخطوات تنفيذه ستُعلن للرأي العام في وقت لاحق، مؤكداً العزم على تجاوز أي صعوبات قد تعترض مسار التنفيذ، وأن تكامل جهود رئيسي المجلس الرئاسي والحكومة، واللجوء أحياناً إلى الضغط والتفاوض، أسفرا عن هذا التفاهم بين المؤسسات التابعة لكل منهما.

ولفت إلى أن جهاز الردع أبدى مسؤولية ومرونة كبيرة، حيث بادر بتنفيذ الخطوات الأولى لإثبات حسن النية، ما ساعد على تذليل العقبات، مشيراً إلى الدور المحوري الذي لعبته بعثة الأمم المتحدة في دعم هذا المسار، مثمناً جهودها التي وصفها بالأساسية والحاسمة. 

ويتزامن توقيت الاتفاق مع ضغوط دولية متزايدة على حكومة الدبيبة للمضي في مسار الانتخابات، وإتمام خارطة الطريق الجديدة في وقت تحاول فيه الأطراف المسلحة تأمين مصالحها ضمن الترتيبات المقبلة، الأمر الذي يفتح الباب أمام فرضية أن الاتفاق لا يتجاوز كونه مناورة سياسية لشراء الوقت، أكثر من كونه تعاقداً استراتيجياً يفضي إلى تغيير قواعد اللعبة في طرابلس.

على الجانب الآخر، يرى بعض المحللين أن مجرد الوصول إلى تفاهم مبدئي يظل مكسباً نسبياً، في ظل تعقيدات المشهد الليبي والانقسامات المؤسسية التي تعيق أي مسار شامل. فوقف إطلاق النار ولو بشكل مؤقت قد يمنح هامشًا من الاستقرار اللازم لإنعاش المفاوضات السياسية، أو على الأقل تجنيب المدنيين ويلات جولة جديدة من المواجهات المسلحة.

لكن التجربة تشير إلى أن العاصمة تبقى رهينة لمعادلة السلاح والولاءات المتحركة، وأن أي تفاهم لا يستند إلى إطار وطني جامع وضمانات دولية، يظل مهدداً بالتآكل السريع، لذلك، يطرح السؤال نفسه: هل ينجح الاتفاق هذه المرة في كسر حلقة العنف المستمرة، أم أن طرابلس ستجد نفسها مجدداً أمام مشهد دموي مع أول شرارة خلاف؟