مهلة أخيرة للدبيبة.. هل يتحول الغضب الشعبي بغرب ليبيا لمواجهة مفتوحة مع الميليشيات؟

0
129

تشهد طرابلس ومدن الغرب الليبي موجة غضب غير مسبوقة تجاه حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وسط تحشيدات عسكرية كثيفة وانتشار أرتال داخل أحياء مدنية، ما أعاد هواجس الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة بين قوى مسلحة داخل العاصمة، وأشعل دعوات شعبية للتصعيد إذا لم تُسحب القوات.

يرى مراقبون أن التحركات الراهنة تأتي كجزء من خطة لفرض واقع ميداني جديد في طرابلس، عبر الدفع نحو صدام مع جهاز الردع، بغرض إرباك المسار الأممي الهادف لإعادة ترتيب السلطة وتشكيل حكومة موحدة. ويعتبر هؤلاء أن استعراض القوة يهدف إلى تثبيت البقاء في المشهد وإزاحة مراكز نفوذ داخل العاصمة، بالتوازي مع التأثير على خارطة الطريق التي ترعاها الأمم المتحدة.

خلال الأيام الأخيرة، توافدت تشكيلات مسلحة من مدن عدة، خاصة من مصراتة، نحو طرابلس، في خطوة وُصفت بأنها استعداد مباشر لاستهداف مقار جهاز الردع. هذا الانتشار داخل أحياء آهلة بالسكان ضاعف مخاوف المدنيين من تكرار سيناريوهات الاشتباكات داخل المدينة وما يرافقها من خسائر بشرية ومادية وتعطّل للخدمات.

في المقابل، أصدر أهالي طرابلس الكبرى، بما يشمل تاجوراء والزاوية، بيانًا حذّروا فيه حكومة الوحدة من تبعات استمرار التحركات العسكرية داخل الأحياء. حمّل البيان المجتمع الدولي ومجلس الأمن “المسؤولية الكاملة عن التصعيد وإراقة الدماء”، ودعا السكان إلى إغلاق الأحياء وتأمين العائلات، مع عدم استبعاد خيار “الحراك الشعبي المسلح” إذا لم تُسحب الأرتال خلال المهلة المعلنة. وأكد أصحاب البيان أن العصيان الشامل سيكون الخطوة التالية، وأن المناطق قد تتحول إلى “مربعات أمنية مسلحة”، مع توجيه نداء برفع أصوات التكبير عبر المساجد في حال بدء تنفيذ خطوات التصعيد دون استجابة حكومية.

تزامن ذلك مع تصاعد الغضب في مصراتة، حيث طالب أهالي منطقة السكيرات بإخراج الميليشيات ومخازن السلاح من محيطهم، عقب انفجار أحد مخازن الذخيرة ليلًا وما خلّفه من حالة هلع وأضرار بمنازل وممتلكات المدنيين. هذا الحدث أعاد إلى الواجهة مطلب إبعاد المخازن عن الكتلة السكنية وفرض معايير أمان حقيقية على تحركات وتخزين الأسلحة.

يرى مراقبون أن استعراض القوة في طرابلس يحمل رسائل ميدانية وسياسية في آن واحد: داخليًا لإعادة توزيع النفوذ داخل العاصمة، وخارجيًا للتأثير على الإيقاع الأممي الجديد الذي تقوده البعثة الأممية بهدف تهيئة بيئة انتخابية.

سيناريوهات الساعات القادمة تبقى مفتوحة. نجاح الضغط الشعبي في فرض سحب الأرتال قد يجنّب العاصمة جولة دماء جديدة ويدفع الأطراف إلى مسار تهدئة مؤقتة بانتظار ترتيبات أوسع. استمرار الاستفزازات الميدانية مع تمسك كل طرف بمواقعه قد يقود إلى اشتباك محدود يتحول بسرعة إلى مواجهة أوسع داخل المدينة. أما انفلات الأمور نحو صدام شامل فسيعني إعادة تشغيل مسارات حوار عاجلة برعاية دولية، في وضع ستكون فيه الحكومة القائمة الخاسر الأكبر سياسيًا، مع تصاعد مطالب إعادة تشكيل السلطة وترتيب المشهد الأمني مجددًا.

الخلاصة أن “المهلة الأخيرة” التي يلوّح بها الشارع في طرابلس ومدن الغرب، ليست مجرد بيان غضب، بل ورقة ضغط حقيقية على حكومة الدبيبة والقوى المسلحة الحليفة لها. ترجمة هذه المهلة إلى إجراءات ميدانية أو إلى تراجع محسوب ستحدّد اتجاه البوصلة: هدنة مضبوطة تُنعش المسار السياسي، أم انزلاق إلى فوضى يعاد معها تشكيل قواعد اللعبة بقوة السلاح.