أسود طليقة.. من المزاح إلى الخطر الداهم في ليبيا

0
179

تشهد ليبيا منذ سنوات سلسلة من الوقائع الصادمة المرتبطة بتربية الحيوانات المفترسة، خاصة الأسود، والتي تحولت من وسيلة استعراض أو مزاح إلى تهديد مباشر للأمن المجتمعي.

آخر هذه الحوادث كان في الثالث من يوليو 2025 حين أطلق صاحب مزرعة في طرابلس أسداً على مجموعة من العمال، في مشهد أثار غضباً واسعاً بعد أن وثّق مقطع الفيديو علامات الرعب على وجوه الضحايا بينما تعالت ضحكات المصور. 

وفي ديسمبر 2024 تحوّل حفل زفاف في العاصمة إلى فوضى عارمة بعدما أفلت أسد من صاحبه وهاجم عدداً من المدعوين، ما أعاد إلى الواجهة المطالبات بتفعيل القوانين الرادعة.

غير أن أكثر الوقائع مأساوية وقعت في يوليو 2024، حين افترس أسد طفلاً في مزرعة بمدينة أجدابيا، وهي الفاجعة التي دفعت حكومة الشرق إلى إصدار قرار عاجل يمنع اقتناء الحيوانات المفترسة نهائياً. 

ورغم ذلك، استمرت الظاهرة، إذ سبقها في أبريل من العام نفسه هروب نمر في مدينة مسلاتة، ما أثار ذعراً واسعاً بعد فشل الأجهزة الأمنية في العثور عليه. 

وترجع جذور الأزمة إلى ديسمبر 2022 حين هاجمت أسود أحد العمال في مزرعة ببنغازي وقتلته، ليعيد الحادث حينها النقاش حول خطورة الظاهرة.

ردود الفعل الشعبية لم تخلُ من الغضب، إذ وصف ناشطون ما يحدث بأنه “استهتار بأرواح الأبرياء”، محذرين من أن استمرار تربية هذه الحيوانات داخل المزارع والمنازل يشكّل “قنبلة موقوتة” في قلب الأحياء السكنية. 

واعتبر آخرون أن مكان الأسود والنمور هو حدائق الحيوان أو المحميات فقط، وليس بين الناس، فيما دعا بعض المهتمين بحقوق الطفل والبيئة إلى “مصادرة جميع الحيوانات المفترسة فوراً” ومنع اقتنائها تحت أي ظرف.

في البعد الاجتماعي، يرى مراقبون أن انتشار هذه الظاهرة يعكس ثقافة “الاستعراض” لدى بعض الفئات، حيث يُنظر إلى تربية الأسود والنمور كرمز للوجاهة أو القوة، دون وعي بحجم المخاطر المترتبة على ذلك. 

وقد ساعد غياب الرقابة وضعف التشريعات على تغذية هذه النزعة، حتى أصبحت بعض المقاطع المصورة مع الحيوانات المفترسة مادة للتفاخر على مواقع التواصل الاجتماعي.

أما على مستوى الأمن العام، فإن هذه الوقائع لا تهدد فقط حياة الأفراد داخل المزارع أو قاعات الأفراح، بل تضرب أيضاً صورة الدولة وهيبتها، إذ يظهر العجز عن السيطرة على الحيوانات المفترسة وكأنه انعكاس لضعف السلطة في فرض القانون، ما يفتح الباب لمزيد من الفوضى وتراجع الثقة المجتمعية في مؤسسات الدولة.

ومع تراكم الحوادث بين عامي 2022 و2025، بات من الواضح أن غياب التشريعات الوطنية يفتح الباب لمزيد من الكوارث.

لذا تتجه الأنظار اليوم إلى دور النائب العام للتحقيق في الحوادث باعتبارها جرائم تعريض حياة المواطنين للخطر، وإلى مجلس النواب الذي يتحتم عليه سن قانون شامل يجرّم اقتناء هذه الحيوانات ويضع آليات صارمة لمصادرتها، حتى لا يتحول المزاح إلى مأساة جديدة تفتك بأرواح الأبرياء.