مقترحات صندوق النقد الدولي.. هل تفيد الليبيين؟

0
61
صندوق النقد الدولي

في خطوة تعكس قلقاً متزايداً من تفاقم فاتورة دعم الطاقة في ليبيا، اقترح صندوق النقد الدولي خطة إصلاح تدريجية تهدف إلى رفع أسعار الوقود بشكل كامل خلال ثلاث سنوات، مقابل تقديم تحويلات نقدية مباشرة للمواطنين لتعويض آثار إلغاء الدعم. 

لكن الخطة، التي توصف بأنها شاملة وطموحة، تثير تساؤلات حقيقية حول قدرتها على النجاح في ظل هشاشة المشهد السياسي، واتساع شبكة التهريب، وانعدام الثقة الشعبية في أي خطوات إصلاحية.

تقوم الخطة على رفع تدريجي لسعر لتر البنزين من 0.15 دينار حاليًا إلى 1.5 دينار في السنة الأولى، ثم إلى 3.3 دينار في العام الثالث، بالتوازي مع إلغاء تدريجي للدعم على مرحلتين. كما تشمل الخطة زيادة تعريفة الكهرباء من 0.04 دينار لكل كيلوواط/ساعة إلى 0.5 دينار. 

ولتخفيف الأثر على المواطنين، يقترح الصندوق تقديم دعم نقدي يبدأ بـ217 ديناراً شهرياً لكل مواطن في السنة الأولى، ويصل إلى 509 دنانير في السنة الخامسة، بعد الانتهاء من خطة الإلغاء الكامل.

وربط الصندوق نجاح أي إصلاح بإنشاء آلية تسعير تلقائية مرتبطة بتقلبات الأسعار العالمية، إلى جانب تشكيل لجنة وطنية مستقلة لتقييم الاحتياجات الفعلية من الوقود، سواء للأفراد أو المؤسسات، بناءً على معايير استهلاك دولية، مما يتيح ضبط حجم الواردات. 

وشدد على ضرورة إصلاح أنظمة التوزيع والتحصيل قبل الشروع في أي زيادات سعرية، مع ضمان تتبع كميات الوقود رقمياً من الإنتاج وحتى نقاط البيع النهائية، لتحديد بؤر التهريب، التي تستنزف كميات كبيرة من الوقود المدعوم.

وبحسب أرقام التقرير، بلغت فاتورة دعم الطاقة في ليبيا نحو 17 مليار دولار خلال عام 2024، بما يعادل 35% من الناتج المحلي الإجمالي، بينها 9 مليارات دولار لواردات الوقود فقط، وتضاف إليها كلفة تكرير النفط محليًا بنحو 3.9 مليارات، وكلفة الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء بنحو 4 مليارات. 

وتشير بيانات الصندوق إلى أن ليبيا، رغم امتلاكها احتياطات نفطية هائلة، تستورد أكثر من 90% من استهلاكها من البنزين، و70% من الديزل، بعد تطبيق نظام مقايضة النفط الخام بالوقود منذ أواخر 2021، ما ضاعف الكميات المستوردة بنسبة 50%.

وتكشف التقديرات أن حوالي 30% من الوقود المستورد يتم تهريبه، مستفيداً من غياب الرقابة على شبكات التوزيع، مع عوائد تقدر بـ0.7 دولار للتر المهرب، ما يوفر أرباحاً سنوية لا تقل عن 3 مليارات دولار لجهات وُصفت بأنها شبكات مصالح نافذة.

وترى المؤسسة الدولية أن الأسعار المخفضة لا تشجع فقط على الاستهلاك المفرط، بل تغذي الفساد وتغري باستمرار التهريب، سواء داخل السوق السوداء الليبية أو نحو دول الجوار.

في المقابل، تواجه الخطة المقترحة جملة من العراقيل البنيوية والسياسية، أولها، المعارضة المنتظرة من شبكات المصالح المستفيدة من نظام الدعم، والتي قد تعرقل التنفيذ أو تفتعل اضطرابات أمنية لحماية امتيازاتها، خصوصاً في ظل انتشار السلاح وسيطرة التشكيلات المسلحة على مفاصل حيوية من الاقتصاد غير الرسمي.

وثاني التحديات، غياب سلطة موحدة قادرة على فرض الإصلاح في أنحاء البلاد كافة، حيث يصعب فرض إجراءات اقتصادية موحدة في ظل الانقسام الحكومي الحاد، أما ثالث العقبات، فهي انعدام الثقة الشعبية في نوايا الحكومة وقدرتها على تعويض المواطنين بشكل عادل وشفاف، وهو ما تسبب في فشل محاولات إصلاح سابقة.

ويحذر صندوق النقد من أن أي زيادة في أسعار الوقود لن تكون فعالة في ظل استمرار ضعف نظام التحصيل، فبحسب تقارير رسمية، لا تقوم الأغلبية بدفع فواتير الكهرباء، رغم انخفاض تعريفتها، ما يشير إلى أن الإشكالية تتعلق بالرقابة والالتزام أكثر من التسعير نفسه.

كما أوصى الصندوق بوضع استراتيجية اتصالية واضحة لتثقيف المواطنين حول أهداف الإصلاح وشرح تكلفته المالية وفرص الاستفادة منه، بهدف كسب التأييد الشعبي وامتصاص المخاوف.

وبينما يعتقد الصندوق أن المنهج التدريجي مع التعويض النقدي والرقابة الرقمية يمكن أن يشكل نقطة تحوّل في سياسة الدعم، تبقى قدرة الدولة الليبية على التنفيذ الفعلي مرهونة بإصلاحات مؤسسية عميقة وبناء ثقة مفقودة، ويبقى السؤال: هل تصل عوائد إصلاح الدعم إلى المواطن الليبي فعلاً؟ أم تنتهي في متاهات الانقسام والفساد كما حدث في محاولات سابقة؟