قضية أسامة نجيم تكشف المأزق الليبي: المحكمة الجنائية في مواجهة نفوذ الميليشيات

0
180
أسامة نجيم

أعادت قضية ملاحقة القائد الأمني الليبي أسامة نجيم، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، إلى الواجهة إشكالية العلاقة الملتبسة بين القضاء الدولي والسلطات الليبية، في سياق سياسي وأمني هشّ يكرّس واقع الإفلات من العقاب، ويعقّد سبل التعاون الدولي في ملفات الانتهاكات الجسيمة.

وبينما تطالب المحكمة الجنائية بتسليم نجيم، الذي تلاحقه 12 تهمة بينها القتل والاغتصاب، أصدرت وزارة العدل في حكومة الوحدة الوطنية بياناً يرفض الامتثال لهذا الطلب، بدعوى أن ليبيا ليست طرفاً في نظام روما الأساسي، مشيرة إلى أن تسليم المواطنين الليبيين إلى جهات أجنبية غير وارد قانوناً.

لكن اللافت أن هذا البيان أُزيل بعد ساعات من نشره على المنصات الرسمية، دون تفسير، ما فُسّر على نطاق واسع كدلالة على ارتباك داخلي وضغوط غير قضائية تتحكم في القرار.

البيان المحذوف أوضح أن قرار رفع القيد عن نجيم جاء استجابة لطلب من النائب العام، مؤكداً أن المعني بالأمر خضع للتحقيق في أبريل الماضي، وأن المحكمة الجنائية لم تقدم للنيابة أدلة كافية لتأكيد التهم.

قضية نجيم ـ الذي سبق توقيفه في العاصمة الإيطالية روما بموجب مذكرة اعتقال دولية صدرت في يناير، ثم أُفرج عنه لاحقاً بسبب ضعف الملف المقدم من المحكمة ـ سلطت الضوء مجدداً على إشكالية استيعاب التشكيلات المسلحة داخل مؤسسات الدولة دون ضمانات فعلية للمحاسبة أو الإصلاح المؤسسي.

وفي تقرير نشرته مجلة ليسبريسو الإيطالية، وُصف نجيم في وثائق أوروبية سرية بأنه يقود ميليشيا مسلحة ذات صبغة إسلامية استُوعبت داخل جهاز رسمي دون نزع سلاحها أو تفكيكها، وهو ما يعكس تحدياً متجدداً لبناء المؤسسات الأمنية على أسس قانونية احترافية في ليبيا بعد عقد من الفوضى.

وتشير المجلة إلى أن ما يُسمى “جهاز الشرطة القضائية” الذي شكّله نجيم بعد انشقاقه عن ميليشيا الردع في 2017، يتمركز في سجن الجديدة، وهو كيان يعمل خارج سلطة وزارة العدل الفعلية، ما يعمّق أزمة الرقابة على مراكز الاحتجاز ويغذي مناخ الإفلات من المساءلة.

الناشطون الحقوقيون حذروا من خطورة الاستمرار في هذا المسار، مؤكدين أن عدم التوقيع على نظام روما الأساسي لا يُعفي الدولة من الالتزام بقرارات مجلس الأمن، خاصة أن المحكمة الجنائية تستند في اختصاصها بليبيا إلى القرارين (1970 و1973/2011) الصادرين تحت الفصل السابع.

كما ذكّروا بأن الحكومة الليبية كانت قد أصدرت كتابًا رسميًا أعلنت فيه قبولها الولاية القضائية للمحكمة عن الفترة الممتدة من 2011 حتى 2027، ما يُعد التزاماً صريحاً بالتعاون الكامل، ويُفترض أن يُترجم عمليًا في حالات الملاحقة القضائية لمرتكبي جرائم ضد الإنسانية.

بهذا، تعكس قضية أسامة نجيم مأزقاً مزدوجاً: داخليًا يتمثل في غياب استقلالية القرار القضائي وسط نفوذ الفصائل المسلحة، وخارجياً في هشاشة التزامات الدولة تجاه مؤسسات العدالة الدولية، وهو ما يجعل مسار المحاسبة رهيناً لتوازنات قوى لا تخضع للقانون بقدر ما تُدار بمنطق الولاء والسيطرة.