تحوّلات في خطاب الدبيبة: من شرعنة الميليشيات إلى وعود بتفكيكها

0
128
عبدالحميد دبيبة

شهد الخطاب الرسمي لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة تحوّلاً لافتاً في مواقفه تجاه الميليشيات المسلحة، ما بين مراحل سابقة اتسمت بالدعم والاحتواء، ومواقف حديثة تتبنّى نهجًا حازمًا في المطالبة بحلّها وتفكيك بنيتها الأمنية. 

ويعكس هذا التحوّل تغيراً في تقدير الموقف السياسي والأمني، ويمثل نقطة تحول في العلاقة بين السلطة التنفيذية والتشكيلات المسلحة غير النظامية.

ومنذ تولى عبدالحميد الدبيبة رئاسة حكومة الوحدة واتخذ موقفاً إيجابياً تجاه الميليشيات، وقد تجلى ذلك في عدة تصريحات مباشرة، منها في بداية عام 2024، حين أكد أن “الميليشيات لا يمكن التخلي عنها”، معتبراً إياها جزءاً من النسيج الأمني، كما وصفها بأنها “أبناءنا وفلذات أكبادنا”، في إشارة واضحة إلى العلاقة الوثيقة بين بعض التشكيلات المسلحة وأجهزة الدولة.

ولاحقاً، وفي نوفمبر 2024، تم الدفاع صراحة عن خلفيات بعض الشخصيات الوزارية ذات الارتباط التاريخي بالميليشيات، حين أشار الدبيبة إلى أن وزير الداخلية آنذاك “كان زعيم ميليشيا”، مضيفاً أن هذا لم يمنع من أدائه دوراً في “حفظ الأمن”، وهو ما يعكس تكيّفاً سياسياً مع الواقع الأمني المعقّد في العاصمة طرابلس.

لكن مثّل عام 2025 نقط تحول، مع تزايد قناعة المجتمع الدولي بضرورة حل الميليشيات وتغيير الحكومة، واعتباراً من مايو 2025، بدأ الخطاب الرسمي يتحوّل تدريجيًا، فأطلقت الحكومة حينها مشروع “ليبيا خالية من الميليشيات والفساد”، وهي أول إشارة علنية إلى تبني مقاربة تقوم على نزع السلاح غير الرسمي. 

وفي يونيو الماضي، أكد الدبيبة أن “حل الميليشيات أو أي جسم غير رسمي” بات ضرورة تفرضها اعتبارات السيادة وبناء مؤسسات الدولة.

وبلغ هذا التحوّل ذروته في يوليو 2025، حيث وصف رئيس الحكومة التشكيلات المسلحة بأنها “دولة داخل الدولة”، واتهمها صراحة بممارسة الابتزاز وامتلاك ترسانة سلاح تفوق ما تملكه المؤسسات الرسمية، كما أشار إلى تلقي بعض هذه التشكيلات شحنات أسلحة من الخارج دون علم الدولة، واعتبر ذلك سلوكاً يوازي التنظيمات الإجرامية.

في تصريحاته في 6 يوليو، شدد الدبيبة على أن “استعادة الدولة بالكامل” لن تكتمل دون تفكيك هذه التشكيلات، مطالبًا بإخضاع المطارات والموانئ والسجون لسيطرة الدولة، ومؤكداً أن “من يرفض هذه الشروط عليه أن يتحمل تبعات ذلك”.

ولا يمكن فصل التحوّل في لهجة الدبيبة عن متغيرات المشهد الأمني والسياسي، فبينما مثّلت الميليشيات في المرحلة الأولى عامل استقرار نسبي أو توازن قوى داخل طرابلس، أصبحت في المرحلة اللاحقة – خصوصاً بعد مقتل عبدالغني الككلي (غنيوة) – عنصر تهديد صريح لتماسك الدولة ومؤسساتها الأمنية، كما أن هذا التبدل يتقاطع مع ضغوط متزايدة من جهات محلية ودولية تطالب بإنهاء الفوضى الأمنية، وربط الدعم الدولي بخطوات عملية في مسار تفكيك التشكيلات الخارجة عن القانون.

ويرى مراقبون، أنه على الرغم من وضوح التحوّل في الخطاب، فإن تطبيق السياسات المعلنة لا يزال يواجه تحديات واقعية تتعلق بتوزع السيطرة على الأرض، وتداخل المصالح بين بعض الأطراف الحكومية والتشكيلات المسلحة، ومع ذلك، فإن الإقرار الرسمي بوجود “كيان موازٍ” مسلح، والالتزام المعلن بتفكيكه، يمثّلان تطوراً في مقاربة السلطة تجاه ملف طالما ظل معلقاً بين الاحتواء والمواجهة.