صراع الصلاحيات يتجدد في ليبيا: الحكومة ترد على المنفي وتحذر من تعطيل الإعمار والميزانية

0
163

دخلت الأزمة السياسية والدستورية في ليبيا منعطفًا جديدًا بعد تصاعد حدة الخلاف بين الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، وذلك على خلفية رسالة وجهها الأخير إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح. 

ودعا المنفي في رسالته رئيس مجلس النواب إلى إعادة النظر في مشروع قانون الميزانية، محذراً من تداعيات إصدار قوانين مالية دون التشاور مع المجلس الأعلى للدولة أو عرضها على المجلس الرئاسي، وفقاً لما ينص عليه الاتفاق السياسي.

المنفي، في رسالته، أكد ضرورة التزام مجلس النواب بالإجراءات المنصوص عليها في الاتفاق السياسي، والذي يشترط إحالة مقترح مشروع قانون الميزانية من السلطة التنفيذية بعد التشاور الملزم مع المجلس الأعلى للدولة، وموافقة 120 عضواً من مجلس النواب في جلسة علنية صحيحة الانعقاد.

واعتبر أن مخالفة هذه الإجراءات تُبطل القانون المقترح وتجعله عديم الأثر، محذراً من أن تمرير القوانين بشكل غير شرعي سيُعطل تنفيذها من قبل المصرف المركزي ومؤسسة النفط، ويرتب تبعات قانونية على المعنيين بتنفيذها، وقد يجر البلاد إلى أزمة اقتصادية حادة.

كما دعا المنفي إلى عقد حوار وطني عاجل بين المؤسسات المنبثقة عن الاتفاق السياسي، يكون بالتوازي مع إطلاق هيئة حوار وطني موسع تشمل الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية والنخب المتخصصة.

في المقابل، وصفت الحكومة الليبية المكلفة، ما صدر عن المنفي بأنه مغالطات قانونية وتجاوزات دستورية فجة، واتهمته بالسعي لتعطيل المسار السياسي والاقتصادي للدولة، ومحاولة ابتزاز السلطتين التشريعية والتنفيذية عبر خطاب قانوني تضليلي.

وأكدت الحكومة أن اختصاصات المجلس الرئاسي، كما وردت في اتفاق جنيف، محصورة في التمثيل الخارجي وتعيين السفراء وملف المصالحة الوطنية، دون أن تتضمن أي صلاحيات تشريعية أو رقابية، وأن المجلس الأعلى للدولة هو جهة استشارية فقط لا تمتلك صلاحيات تشريعية أو تنفيذية.

واعتبرتت الحكومة تدخل المنفي في شؤون السلطة التشريعية ومحاولة فرض شروط على تمرير الميزانية بأنه يمثل انتهاكاً صريحاً لمبدأ الفصل بين السلطات، ويعكس سعيًا مكشوفاً لعرقلة مشاريع الإعمار والتنمية، والتشكيك في صلاحيات صندوق إعادة الإعمار الذي أنشئ بموجب قانون صادر عن مجلس النواب وخصص له ميزانية مستقلة نظراً لطبيعة عمله الشامل في كافة أنحاء البلاد.

واتهم البيان المنفي بإصدار مراسيم بقوانين لا تستند لأي أساس قانوني، والتسبب في أزمات كبرى أبرزها أزمة المصرف المركزي، حين مكن عناصر غير شرعية من التلاعب بمفاصله دون محاسبة، فضلاً عن تغاضيه عن ممارسات الحكومة منتهية الولاية التي تورطت في إنفاق عبثي غير مسبوق خارج إطار القانون.

كما ردّت الحكومة على حديث المنفي عن المال العام وحقوق الأجيال القادمة، وذكّرته بسجله الحافل بالإسراف المالي والمخصصات الوهمية التي لو خُصص جزء منها لتحسنت أوضاع المدن المتضررة.

وأكدت في ختام بيانها التزامها الكامل بالإجراءات القانونية والرقابية في جميع برامج الإنفاق والتنمية، مشيرة إلى أن ما تحقق على الأرض من تحسن في معيشة المواطنين، وعودة النشاط الاقتصادي والتجاري، هو ثمرة مباشرة لسياسات الحكومة الحالية ومؤسساتها الشرعية.

وفي ضوء هذا التصعيد المتبادل، تتزايد المخاوف من أن تتحول الخلافات بين المؤسسات إلى مأزق سياسي جديد يعمّق الانقسام ويعرقل جهود إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار المالي والإداري في ليبيا.

وبينما تُحمّل كل جهة الأخرى مسؤولية التجاوزات، يبقى المواطن الليبي هو الخاسر الأكبر في معركة الشرعيات، ما يجعل من الضروري العودة إلى طاولة الحوار الوطني الجاد، وتغليب المصلحة العامة على الحسابات السياسية الضيقة، صوناً لوحدة البلاد ومستقبلها.