صبراتة تحت النيران في أول أيام العيد: اشتباكات الميليشيات تُفسد فرحة الليبيين

0
173

في مشهد يُجسّد هشاشة الوضع الأمني غرب ليبيا، تحوّلت مدينة صبراتة إلى ساحة صراع مسلح مفتوحة، خلالي يومي وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى، حيث اندلعت اشتباكات دامية بين مجموعات مسلحة تابعة لأحمد الدباشي الملقب بـ”العمو” وأخرى قادمة من مدينة الزاوية يُعتقد أنها تابعة للقيادي المعروف بـ”الفار”. 

الهجوم الذي استهدف مصيف “ليبرتون” الخاضع لسيطرة “العمو” أشعل فتيل المعركة، وأدى إلى اندلاع حرائق واحتراق منازل مجاورة وتصاعد أعمدة الدخان في سماء المدينة، فيما تواصلت الاشتباكات بالأسلحة المتوسطة والثقيلة في حي الدبابشة حتى صباح الجمعة، أول أيام العيد، وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، بينهم نوري الفتحلي.

الهجوم لم يكن عشوائياً، بل جاء وفق مصادر أمنية محلية رداً على اتهام “العمو” بالتورط في جريمة قتل راح ضحيتها الشاب محمد الخضراوي من الزاوية، وهو ما دفع مسلحين تابعين لمليشيات الأخيرة إلى الانتقام. 

وازداد المشهد تعقيداً مع تداول مقاطع مصوّرة تُظهر مهاجرين غير قانونيين وهم يفرّون من أوكار للهجرة يُعتقد أنها تابعة لمليشيا “العمو”، في مشهد يعيد تسليط الضوء على العلاقة المشبوهة بين الجريمة المنظمة وبعض التشكيلات المسلحة التي تعمل تحت غطاء سلطات الأمر الواقع.

صباح العيد الذي يفترض أن يكون مناسبة للفرح والتكافل تحوّل في صبراتة إلى حالة من الرعب والصدمة، حيث كتب الدبلوماسي الليبي إبراهيم الدباشي على صفحته: “فجأة توقف التكبير في المسجد، وارتفع صوت الرصاص وقذائف الـ”آر بي جي”، وانتشرت المصفحات بين المنازل وفي محيط المسجد. ضاعت صلاة العيد وضاعت معها الفرحة. 

صراع بين المسلحين تحركه ثارات وانتقامات ونزاع على مكاسب غير مشروعة بين من تمولهم السلطة القائمة وتدّعي أنهم يتبعونها”. 

وحتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم يصدر أي تعليق رسمي من حكومة الوحدة الوطنية أو المجلس الرئاسي أو البعثة الأممية، في مشهد يُكرّس القطيعة بين الواقع الأمني الفعلي ومؤسسات الدولة المفترضة.

وفي المقابل، فشلت جهود الأعيان في صبراتة في التوصل إلى تهدئة، ما يعكس طبيعة الأزمة العميقة التي لم تعد تعالجها الوساطات الاجتماعية، بقدر ما تتطلب تفكيك البنية المليشياوية التي تغلغلت في مفاصل المدن منذ سنوات.

ويعد أحمد الدباشي، المعروف بـ “العمو”، من أبرز المطلوبين دوليًا في قضايا تتعلق بالإرهاب والاتجار بالبشر، ويُتهم بإدارة شبكات تهريب واسعة تمتد من صبراتة إلى شواطئ المتوسط، وتقدّر ثروته بأكثر من 250 مليون دينار ليبي. 

ومع ذلك، ظلّ يتمتع بنفوذ فعلي على الأرض في ظل بيئة الإفلات من العقاب، وتداخل سلطات الميليشيات بالدولة، بما يجعل مسألة محاسبته أو احتوائه أبعد من مجرد عملية أمنية، بل ترتبط بإعادة هيكلة كاملة للمنظومة الأمنية والسياسية في غرب ليبيا.

ما جرى في صبراتة لم يكن مجرد اشتباك عابر بين مجموعتين مسلحتين، بل هو جزء من سلسلة متكررة من المواجهات التي تؤكد أن ليبيا لا تزال تعيش في ظل دولة “السلاح أولاً”، حيث تتكرر مشاهد الفوضى والاقتتال، ويُسحق الأمن والاستقرار تحت أقدام مجموعات لا تعترف بأي سلطة، وتُغذّى أحياناً من ذات الأطراف التي تدّعي تمثيل الدولة. 

وتبقى مدن غرب ليبيا مهددة بالانفجار في أي لحظة في ظل الفوضى الأمنية التي تعيشها، ويبدو أن العيد في صبراتة كان هذه المرة مناسبة ليس للفرحة بل لتجديد الألم والسؤال: متى تعود الدولة؟