نقص السيولة يربك استعدادات عيد الأضحى في ليبيا.. إلى متى؟

0
367
مصرف ليبيا المركزي
مصرف ليبيا المركزي

رغم تطمينات متكررة من مصرف ليبيا المركزي بشأن وفرة السيولة النقدية خلال فترة عيد الأضحى، إلا أن مشاهد الازدحام أمام المصارف وشكاوى المواطنين في أكثر من منطقة تشير إلى أن الأزمة لا تزال ماثلة، ما دفع مراقبين واقتصاديين إلى دق ناقوس الخطر بشأن أسباب عميقة ومتراكمة، تتجاوز مجرد ضعف التوزيع إلى ما وصفوه بـ”مضاربات منظمة” و”استغلال نفوذ داخل بعض الفروع المصرفية”. 

وأوضحت مصادر مصرفية أن الإجراءات الأخيرة التي أعلن عنها المصرف الليبي المركزي لتأمين السيولة، شملت تمديد ساعات العمل اليومية، وتكثيف العمل أيام العطل، وزيادة عدد الصرّافين، إلى جانب ترتيبات فنية مع شركة معاملات لضمان إيداع التسويات النقدية يوميًّا دون انقطاع، حتى خلال العطلات.

غير أن مواطنين ومسؤولين محليين، من بينهم عميد بلدية غدامس، أكدوا استمرار الأزمة، مشيرين إلى محدودية السحوبات اليومية، وغياب السيولة في بعض الفروع، رغم محاولات تخفيف الضغط عبر التوسع في استخدام البطاقات والخدمات الإلكترونية.

ويرى اقتصاديون أن الانفراج الجزئي الذي تحقّق في بعض المصارف لا يخفي وجود تفاوت صارخ في توفر السيولة، إذ تسمح بعض الفروع بسحب يصل إلى 4 آلاف دينار شهرياً، في حين لا يتجاوز الحد الأقصى في فروع أخرى ألف دينار فقط، فيما اضطرت بعض الوكالات إلى الإغلاق المؤقت لنقص السيولة.

ويعزو مراقبون هذا التفاوت إلى عدد من الأسباب، أبرزها استمرار احتكار كميات كبيرة من الأوراق النقدية، خصوصًا من فئة الـ50 ديناراً، خارج الجهاز المصرفي، مما فتح الباب أمام ممارسة ضغوط من قبل “نافذين” لإعادة ضخ تلك الأموال لصالحهم، على حساب صغار العملاء.

كما حذر آخرون من استفحال ظاهرة “الوساطة واستغلال النفوذ” داخل عدد من المصارف، مشيرين إلى تورط بعض المسؤولين في عمليات مضاربة عبر استغلال فارق سعر الصرف بين النقد والصكوك، وهو ما أسهم في تفاقم الأزمة بدلاً من حلها.

وفي السياق ذاته، اعتبر مختصون أن ضعف البنية التحتية التقنية داخل عدد من الفروع، والتعمد أحياناً في عدم تشغيل آلات السحب الآلي، ساهم في تركّز الضغط على عدد محدود من المصارف، مما زاد من حدة الأزمة، مؤكدين أن غياب العدالة في توزيع السيولة أحد أبرز أوجه الخلل التي تتطلب إعادة نظر عاجلة.

ويشير تقرير حديث إلى أن المصرف المركزي زاد العرض النقدي في السوق بمقدار 57 مليار دينار خلال السنوات العشر الماضية، منها 30 ملياراً جرى ضخها في عام واحد فقط (2022–2023)، وهو ما يفتح تساؤلات عن فعالية السياسات النقدية المتبعة.

ويؤكد خبراء أن إصلاح القطاع المصرفي لا يجب أن يقتصر على الإجراءات الفنية، بل يتطلب مكافحة حقيقية للفساد والمحسوبية داخل المؤسسات المصرفية، بل وربما تغييراً جذرياً في بعض إداراتها، لضمان الاستقلالية والشفافية في إدارة النقد.

من جانب آخر، دعا مختصون في الشأن الاقتصادي إلى تبني مقاربة تنموية أوسع، تشجّع على الاستثمار المحلي وتعزز من مشاركة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، بدلاً من الاعتماد المفرط على التوريدات أو التوسع في طباعة النقود دون غطاء إنتاجي.

ويعاني القطاع المصرفي في ليبيا من أزمات سيولة متكررة، تتفاقم بشكل ملحوظ في فترات الأعياد والمناسبات الدينية، ما ينعكس سلباً على قدرة المواطنين على تأمين احتياجاتهم الأساسية في تلك الفترات. 

وعلى الرغم من الوعود المتكررة من مصرف ليبيا المركزي بضخ كميات كافية من النقد، إلا أن مظاهر الازدحام أمام الفروع واستياء الزبائن باتت مشهداً مألوفً عشية كل مناسبة، وهو ما يطرح تساؤلات حول فعالية سياسات التوزيع وضعف البنية التحتية المصرفية.

وتُرجع مصادر مصرفية واقتصادية هذه الأزمة المتكررة إلى جملة من الأسباب، من بينها استمرار اكتناز كميات ضخمة من السيولة خارج الجهاز المصرفي، وغياب العدالة في التوزيع بين الفروع، إلى جانب شبهة تلاعب ومحاباة من بعض المسؤولين داخل القطاع. 

كما يسهم ضعف الثقة العامة في النظام المصرفي، والانقطاعات المتكررة في خدمات السحب الإلكتروني، في تفاقم الأزمة، لتتحول إلى نمط موسمي يعيد نفسه عند كل عيد أو موسم، دون حلول جذرية تُذكر.