أدوية الأورام في ليبيا.. أزمة بلا حل وصراع فساد يُهدد حياة الآلاف

0
206

عادت أزمة أدوية السرطان في ليبيا لتتصدر المشهد العام في ظل استمرار التحقيقات في قضية الأدوية العراقية التي أقيل على إثرها وزير الصحة بحكومة الوحدة، ما يفتح الباب أمام شبهات موثقة بفساد ممنهج في عقود التوريد. 

المفجر المباشر للأزمة كان إعلان السفير العراقي في ليبيا عن توريد شحنة أدوية أورام إلى البلاد، في خطوة أثارت استغراباً واسعاً، لا سيما وأن العراق لا يُعد من بين الدول المعتمدة رسميًا لتوريد هذا النوع من الأدوية، في وقت سارعت فيه الهيئة الوطنية لمكافحة السرطان إلى نفي وصول الشحنة، مؤكدة التزامها باستيراد الأدوية فقط من مصادر أميركية وأوروبية معتمدة، ما كشف وجود تضارب في الروايات الرسمية. 

المفاجأة أن أبو جناح نفسه لم ينكر الواقعة، بل أقر بمسؤوليته، مدافعاً عن خطوته بأنها “خارج العطاء العام” وبموافقة هيئة الرقابة الإدارية، وهو ما أظهر ارتباكًا رسميًا وفتح الباب أمام شكوك شعبية واسعة حول آليات التوريد ومن يقف وراءها.

ووسط موجة الغضب التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، اعتُبر قرار إقالة أبو جناح محاولة سياسية لاحتواء الغضب الشعبي أكثر من كونه خطوة إصلاحية فعلية. 

وفي 8 مايو الماضي، أعلنت النيابة العامة، حبس رئيس هيئة مكافحة السرطان حيدر السايح ورئيس لجنة العطاء العام على ذمة التحقيق في مخالفات في استيراد أدوية لعلاج الأورام، مشيرة إلى أن التحقيق توصل إلى مخالفة مسؤول الهيئة ضوابط إدارة بعض عقود شراء الأدوية، ومخالفة مسؤول لجنة العطاء العام قواعد التعاقدات وفروض لائحة العقود، وبذلك انتهى المحقق إلى حبس المتهمين الإثنين احتياطياً على ذمة التحقيق.

وفي 7 مايو، أمرت النيابة العامة بحبس نائب رئيس حكومة الوحدة الوطنية، وزير الصحة المعفى من منصبه رمضان أبوجناح على ذمة التحقيق في قضية استيراد أدوية لعلاج الأورام من أحد مصانع الأدوية العاملة بالعراق.

وطال قرار الحبس مسؤولين في وزارة الصحة بالحكومة هم: مدير إدارة الصيدلة؛ ورئيس لجنة العطاء العام؛ ومسؤول لجنة العطاءات المركزية في وزارة الصحة؛ ومفوض شركة استيراد أدوية. وقال مكتب النائب العام إن المحقق في القضية «استوثق من مخالفة المسؤولين للضوابط الحاكمة لشراء هذا الصنف من الأدوية؛ وتحللهم من القواعد الناظمة لإدارة التعاقدات ومتطلباتها من النواحي الفنية والمالية والقانونية.

وطرح مراقبون تساؤلات حول مدى استقلالية الهيئة الوطنية لمكافحة السرطان، وما إذا كانت محاولاتها لفرض الشفافية ستصطدم مجددًا بجدار المصالح السياسية والمالية، خاصة وأن هذه الأزمة ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها فضيحة أدوية مغشوشة جرى توريدها العام الماضي من شركات هندية وقبرصية وتركية ومالطية مجهولة، وفق بلاغ من المعهد القومي لعلاج الأورام في مصراتة، الذي أكد تفاقم حالات مرضى بسبب هذه الأدوية.

وزارة الصحة حينها نفت تلقيها تحذيرات أو توريد أدوية مجهولة، وادعت أن الشركات المتعاقدة لم تستورد هذه الكميات، قبل أن تُعلن تشكيل لجنة تحقيق لم تعلن نتائجها حتى اليوم، ما أضعف الثقة الشعبية في وعود الحكومة وأثار تساؤلات بشأن وجود حماية محتملة لشبكات المصالح المتورطة في ملف الأدوية. 

وقد زاد من تعقيد المشهد إعلان المركز الوطني لمكافحة الأمراض مؤخراً عن ارتفاع عدد المرضى المسجلين في منظومة الأورام إلى أكثر من 23 ألفًا، مقارنة بـ21 ألفًا نهاية العام الماضي، وهو ما رأى فيه بعض الأطباء مؤشراً مقلقاً على تفشٍ غير مسبوق للمرض، أو على الأقل على فشل واضح في الرصد المبكر وتوفير العلاج.

في المقابل، يعيش مرضى الأورام وأسرهم تحت وطأة الانتظار الطويل والاضطرار للجوء إلى القطاع الخاص، حيث تُباع الأدوية بأسعار خيالية تفوق قدرة غالبية الليبيين. 

يؤكد شهود ومواطنون أن المراكز الطبية الحكومية تفتقر للأدوية والمعدات، رغم ما يبذله الأطباء من جهود فردية لتسيير العمل، ما يجعل الثقة في المنظومة الصحية الرسمية شبه منعدمة.

 وفي هذا السياق، تبدو ليبيا أمام أزمة مزدوجة: فساد إداري يتغذى على الانقسام السياسي، وعجز حكومي عن الاستجابة لمتطلبات ملف حيوي يُهدد حياة الآلاف.

ويرى مراقبون أن ما يحدث اليوم في ليبيا لا يمكن فصله عن طبيعة النظام الصحي المختل، والذي يسمح بتعدد مصادر القرار، وغياب الرقابة الفعلية، واختراق منظومة الأدوية من قبل أطراف تملك نفوذاً سياسياً أو مالياً.