كشفت تصريحات لوزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، عن وجود اتفاق سري بين واشنطن وليبيا لترحيل مجرمين أجانب إليها، قبل أن يتدخل قاضٍ فيدرالي ويُفشل العملية، ما تسبّب في تداعيات دبلوماسية وأمنية واسعة، أبرزها اندلاع اشتباكات هي الأعنف منذ سنوات في العاصمة طرابلس.
وأشار روبيو أن الاشتباكات والتوترات الأمنية التي شهدتها العاصمة طرابلس والمدن المجاورة لها كانت أحد أبرز التداعيات الناتجة عن خطة ترحيل المهاجرين والمجرمين إلى ليبيا، ما يعني أن تلك التوترات هي انعكاس واضح لخلافات داخلية بين الميليشيات حول آليات تنفيذ الاتفاق الذي جرى في الغرف المغلقة بين الولايات المتحدة وحكومة الوحدة المتمركزة في العاصمة طرابلس.
روبيو، الذي أدلى بتصريحاته خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ، انتقد بشدة القاضي الفيدرالي برايان مورفي، واتهمه بإلحاق “ضرر بالغ” بالسياسة الخارجية الأمريكية، وعرقلة جهود مكافحة الإرهاب في إفريقيا، إلى جانب تهديد مهام الإغاثة الإنسانية في المنطقة.
وقال إن تدخل القاضي أدى إلى إفشال ترتيبات حساسة كانت تجرى مع كل من ليبيا وجنوب السودان وجيبوتي.
ووفق تقرير نشرته صحيفة واشنطن تايمز، فإن ليبيا، ممثلة في حكومة عبد الحميد الدبيبة، كانت طرفاً في مفاوضات سرية لاستقبال عدد من المرحلين المدانين في قضايا قتل واعتداءات جنسية، ممن رفضت بلدانهم الأصلية إعادتهم؛ إلا أن قرار القاضي الأمريكي بوقف العملية أجبر طرابلس على التراجع علناً، وهو ما اعتبره روبيو سبباً في تأجيج التوتر بين الميليشيات، ودافعاً لاشتعال موجة جديدة من العنف في العاصمة.
وأضاف روبيو أن قرار المحكمة قوّض أيضاً اتفاقاً كان قيد التفاوض بين شركة أمريكية وليبيا بشأن مشروع طاقة ضخم.
وسلط التقرير الأمريكي الضوء على جانب من تصريحات الدبيبة، الذي تحدث فيها مراراً عن اتفاقات مع الجانب الأمريكي في ملف المهاجرين، باعتبارها خطوة في “مصلحة البلاد”، ما يعزز فرضية تورط حكومته في الترتيبات التي كانت جارية، والتي جرى التكتم عليها حتى لحظة انكشافها إثر تدخل القضاء الأمريكي.
كما أشار التقرير إلى أن المرحّلين كانوا محتجزين مؤقتاً في القاعدة العسكرية الأمريكية بجيبوتي، بعد إلغاء الرحلة، ما تسبب في أزمة مع حكومة الدولة المضيفة، وهدد بإرباك العمليات العسكرية والاستخباراتية الأمريكية في المنطقة.
في السياق ذاته، أكدت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية أن الأمر القضائي سيؤدي إلى تأخير عمليات الترحيل وتكبد الحكومة الأمريكية تكاليف إضافية، مع خطر تسرب مجرمين خطرين في حال فشل الترحيل لاحقاً.
وخلال الأيام الماضية، شهد ميدان الشهداء في العاصمة الليبية طرابلس اشتباكات دامية بين الميليشيات، كما أطلقت تظاهرات عدة رافضة للأنباء المتداولة حول ترحيل مهاجرين من الولايات المتحدة إلى ليبيا.
ورفع المتظاهرون لافتات تندد بمحاولات إدخال مهاجرين مرحلين من الولايات المتحدة، معتبرين ذلك انتهاكًا للسيادة الوطنية ومخاطرة بالأمن القومي، وسط هتافات تطالب الحكومة الليبية بتوضيح موقفها الرسمي من هذه الخطوة.
وطالب المحتجون باتخاذ موقف حاسم لمنع هذه الخطوة، والتحقيق في التقارير التي تشير إلى اتفاقيات سرية مع أطراف دولية لتسهيل عمليات الترحيل.
وآنذاك، طالب 112 عضواً في مجلس النواب الليبي، في بيان رسمي، النائب العام بفتح تحقيق عاجل وشفاف بشأن الأنباء المتداولة محلياً ودولياً حول وصول أفراد متسللين غير شرعيين من المحكومين أو المتورطين في قضايا جنائية من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الأراضي الليبية.
وأكد بيان النواب أن ما يحدث يمثل تعدياً سافراً على السيادة الوطنية، واستباحة غير مقبولة لأرض ليبيا، واستهانة بالشعب الليبي وتاريخه في مقاومة الطغيان والاستعمار، معتبرين أن هذه الخطوة تكشف عن “نظرة استعمارية بغيضة وعنصرية متجذرة في ذهنية الإدارة الأمريكية”.
وأضاف أن الجهات المعنية لم تنفِ بشكل قاطع صحة هذه الأنباء، مما يثير القلق حول إمكانية حدوثها، مشددين على أنه “لا جهة كانت، مهما علت مكانتها أو أدعت شرعيتها، تملك الحق في القبول أو التورط في إدخال عناصر مرفوضة قانونياً وأخلاقياً إلى البلاد”.
وفي 8 مايو، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، عن تورط حكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد دبيبة في مباحثات مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تتعلق بترحيل مهاجرين من أصحاب السوابق إلى ليبيا.
ووفقاً للتقرير، فإن مسؤولين في حكومة دبيبة تواصلوا مع ممثلين عن إدارة ترامب خلال شهري يناير وفبراير الماضيين، وأبدوا موافقتهم على استقبال المهاجرين المرحلين من الولايات المتحدة، مقابل الحصول على دعم سياسي يُعزز من موقف حكومة دبيبة التي وصفتها الصحيفة بـ”الهشة”، في ظل الضغوط الاقتصادية وتنافس الميليشيات المسلحة داخل البلاد.
وأضافت الصحيفة أن حكومة دبيبة تسعى إلى استمالة الدعم الأمريكي لضمان استقرارها السياسي، في وقت تواجه فيه تحديات متزايدة على الصعيدين الأمني والاقتصادي.
وأثارت المعلومات الواردة في تقرير “وول ستريت جورنال”، موجة من التساؤلات حول التداعيات المحتملة لمثل هذه الخطوات على الوضع الأمني والإنساني في ليبيا.