طرابلس تشتعل.. هل انقلب الدبيبة على غنيوة الككلي؟

0
184
عبدالحميد دبيبة وغنيوة الككلي
عبدالحميد دبيبة وغنيوة الككلي

شهدت العاصمة الليبية طرابلس تصعيداً أمنياً غير مسبوق، عقب مقتل عبد الغني الككلي، المعروف بـ”غنيوة”، رئيس جهاز دعم الاستقرار، مساء الإثنين، في اشتباك مسلح داخل مقر اللواء 444 قتال بمنطقة صلاح الدين.

وأثار الحادث موجة عنف واسعة في أنحاء متفرقة من المدينة، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة، تخللها إطلاق نار كثيف، ما دفع السلطات إلى إعلان حالة الطوارئ، ودعوة السكان إلى التزام منازلهم حفاظاً على سلامتهم.

أغلقت سلطات مطار معيتيقة المجال الجوي جزئياً، وحولت عدداً من الرحلات إلى مطار مصراتة، في وقت رفعت فيه فرق الإسعاف والطوارئ درجة التأهب إلى أقصاها، استعداداً لأي تطورات ميدانية.

وأعلنت وزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية، مساء الإثنين، انتهاء العملية العسكرية في طرابلس “بنجاح”، مؤكدة السيطرة الكاملة على منطقة أبو سليم، معقل الككلي، دون الكشف عن تفاصيل إضافية تتعلق بسير العمليات أو نتائجها المباشرة.

وأشاد رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، بالعملية الأمنية، واعتبرها “خطوة حاسمة نحو إنهاء المجموعات غير النظامية”، مؤكداً أن الأجهزة الرسمية أثبتت قدرتها على فرض الأمن وصون هيبة الدولة، ومشيراً إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد ترسيخاً لمبدأ سيادة القانون.

وتعود جذور العلاقة بين عبد الغني الككلي، المعروف بـ”اغنيوة”، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة إلى مطلع عام 2021، حين بدأ نجم الككلي في الصعود داخل طرابلس، حينها، نسج الطرفان تفاهماً غير معلن: يضمن الككلي بموجبه الأمن والدعم السياسي للدبيبة في العاصمة، مقابل أن يفسح له المجال لتوسيع نفوذه، وترسيخ مواقع حلفائه في مفاصل استراتيجية داخل الدولة.

وأتاح هذا التفاهم للككلي التحكم في مفاتيح أمنية واقتصادية حساسة، أبرزها هيئة أمن المرافق الحكومية، وهي الجهة المخولة بالإشراف على نقل الأموال النقدية بين المصارف التجارية ومصرف ليبيا المركزي، ما منحه نفوذاً مباشراً على شريان السيولة المالية في العاصمة.

كما سمح له بتعيين أحد أبرز مساعديه، محمد الخوجة، على رأس مديرية مكافحة الهجرة غير الشرعية، التي تتولى إدارة مراكز احتجاز المهاجرين. وهو موقع بالغ الحساسية، ارتبط لاحقاً باتهامات متكررة بضلوع الككلي ومقربين منه في شبكات الاتجار بالبشر، التي وفّرت لهم موردًا ماليًا ضخمًا من خارج الإطار الرسمي.

ورغم تعقد العلاقة بين الرجلين في الأشهر الأخيرة بسبب مطالب الككلي المستمرة بالحصول على مزيد من المناصب لصالح حلفائه، ظل داخل الدائرة السياسية والأمنية المقربة من الدبيبة، مستفيداً من حالة الاعتمادية المتبادلة التي تطورت بينهما منذ البداية.

لكن تأثير الككلي لم يقتصر على النفوذ الأمني فقط، بل امتد أيضًا إلى الجانب المالي، حيث شرع في بناء شبكة علاقات تسمح له بالوصول إلى عقود عامة وخطابات اعتماد مصرفية، ما منحه بوابة للوصول إلى العملة الأجنبية، وجعل منه فاعلاً اقتصادياً موازياً داخل طرابلس.

وبحسب تقارير، فإن الصدام بين الدبيبة واغنيوة الككلي المتفاقم منذ أكتوبر الماضي تصاعد بشكل كبير بعد قرار رئيس حكومة الوحدة بصفته رئيس الجمعية العمومية للشركة القابضة للاتصالات، بإيقاف رئيس مجلس إدارة الشركة، صلاح الدين الناجح، عن العمل، وتكليف نائبه، يوسف ابراهيم حسين، بتسيير مهام مجلس الإدارة، وهو ما تلاه رجال “اغنيوة” لمقر الشركة العامة للاتصالات القابضة وسط طرابلس، والقبض على رئيس مجلس إدارتها، ما دفع لتأزم الوضع بين الجهاز وحكومة الدبيبة.
وقبل يومين من اغتيال اغنيوة الككلي، أظهرت فيديوهات دخول أرتال عسكرية في شوارع طرابلس قادمة من مصراتة والزاوية والزنتان، شملت دبابات وأسلحة ثقيلة، دفعت نحو تفاقم الأمور.
وخلال محاولة فاشلة لاحتواء خلاف مسلح مع وحدات من اللواء 444 قتال، قتل اغنيوة الككلي على خلفية تنازع النفوذ والسيطرة على مواقع استراتيجية داخل العاصمة، من بينها مقار إدارية ذات طابع سيادي.
وتصاعد التوتر بين جهاز دعم الاستقرار، المدعوم من المجلس الرئاسي، وبعض التشكيلات المسلحة الموالية لحكومة الوحدة الوطنية، في الأسابيع الأخيرة، بعد محاولات متكررة من قبل الككلي لفرض نفوذه خارج مناطق نفوذه التقليدية.

واتهمت الجهات الأمنية جهاز دعم الاستقرار بالسعي لتوسيع سلطاته بشكل منفرد، ما اعتُبر تهديداً لتوازن القوة القائم في العاصمة، ودفع أطرافًا فاعلة داخل الحكومة إلى الرد بعملية عسكرية مركزة، شاركت فيها وحدات من مصراتة والزنتان، بأوامر مباشرة من وزير الداخلية عماد الطرابلسي.

وأنهت العملية فعلياً وجود الككلي كلاعب مركزي في المعادلة الأمنية داخل طرابلس، وفتحت الباب أمام تساؤلات واسعة حول طبيعة التحالفات الجديدة التي تعيد حكومة الوحدة تشكيلها في مواجهة الجماعات المسلحة.

وعززت تصريحات الدبيبة الفرضية القائلة بأن ما حدث لم يكن تطوراً أمنياً عرضياً، بل تحركاً سياسياً مدروساً يستهدف إعادة ترتيب أوراق النفوذ في العاصمة، تمهيداً للانتقال إلى مرحلة أكثر تحكماً من قبل الدولة المركزية في المشهد الأمني.

طرحت العملية في المقابل تحديات جديدة، أهمها كيفية احتواء تبعات إزاحة شخصية ذات نفوذ واسع مثل غنيوة، ومدى قدرة الحكومة على ملء الفراغ الأمني الذي خلّفه غيابه دون أن تتفكك التوازنات الدقيقة التي تحكم العاصمة.

وفتحت التطورات الأخيرة الباب أمام مرحلة جديدة في طرابلس، يبدو أن الدبيبة يسعى من خلالها إلى تصفية مراكز القوى المسلحة التي كانت تحكم المدينة فعلياً من خلف واجهات رسمية، لكن الطريق نحو استقرار دائم ما زال محفوفاً بالمخاطر.