تحذيرات من انهيار اقتصادي ممنهج في ليبيا بفعل الفساد ونفوذ الميليشيات

0
137
مصرف ليبيا المركزي
مصرف ليبيا المركزي

يشير تقرير حديث صادر عن “المجلس الأطلسي” إلى تصاعد المخاوف بشأن مستقبل الاقتصاد الليبي، في ظل تفشي الفساد وهيمنة التشكيلات المسلحة على مفاصل الهياكل النقدية والمالية. 

ووفقاً لمقال أعده الباحث عماد الدين بادي، فإن المسار الراهن لا يعكس اختلالاً ظرفياً بقدر ما يُنذر بانهيار بنيوي لا يمكن تجنّبه من خلال قرارات إجرائية أو مجرد إرادة سياسية، بل يتطلب إعادة هيكلة جذرية للمنظومة الاقتصادية والسياسية.

واعتُبر قرار مصرف ليبيا المركزي بتعديل سعر الصرف الرسمي بمثابة استجابة مؤقتة لتفادي الانهيار الكامل، إلا أن القفزات الحادة في سعر السوق الموازية كشفت هشاشة الثقة العامة بالمؤسسات النقدية. 

وتؤكد المعطيات أن الاقتصاد الليبي بات يتحرك خارج نطاق السيطرة الرسمية، مدفوعاً بعوامل غير مؤسسية وممارسات تتسم بالعشوائية والتحايل على القوانين.

وتشير الأرقام الصادرة عن المصرف المركزي إلى إنفاق غير منضبط من قبل الحكومتين المتنافستين، تجاوز 158 مليار دينار ليبي خلال عام واحد فقط، ما يعكس حالة من الاستنزاف غير القابل للاستمرار، ويشير إلى اتساع رقعة الفوضى النقدية في غياب منظومات رقابة فاعلة.

ولم تعد المؤسسات المالية الرسمية هي المحرّك الفعلي للاقتصاد، بل باتت تحت وطأة تفكك وظيفي عميق، حيث طغت شبكات الموازاة وصفقات المقايضة غير الرسمية على قنوات العائدات الرسمية. 

وأصبحت ممارسات مثل مبادلة الخام مقابل الوقود تُدار خارج الموازنات العامة، عبر وسطاء غير خاضعين لأي رقابة، في ظل تغوّل شبكات عابرة للحدود تربط بين النفوذ السياسي والمصالح الاقتصادية غير المشروعة.

وفي هذا السياق، تمكنت التشكيلات المسلحة من ترسيخ وجودها داخل المؤسسات الحيوية، بما في ذلك قطاع الكهرباء والمؤسسة الوطنية للنفط، وهو ما أدّى إلى تشويش الأولويات التشغيلية وفرض منطق الغنيمة بدلاً من الاعتبارات المؤسسية. 

ووثّقت تقارير عمليات تهريب ضخمة للوقود من الموانئ الرسمية، تمت بغطاء من طلبات توريد صادرة عن شركات حكومية، وبدعم مباشر من جماعات مسلحة.

كما تزايدت مظاهر الاستغلال السياسي للمؤسسات الاقتصادية، خاصة بعد تعيين شخصيات محسوبة على تيارات معينة في مناصب عليا، ما عمّق من تغلغل الفساد وأضفى طابعاً فئوياً على عمليات إدارة الموارد الوطنية. 

ويُعد إنشاء النقد الرقمي وضخ أموال دون مقابل إنتاجي، أبرز تجليات هذا المسار، الذي أنتج تضخمًا متزايدًا وأفقد الدينار الليبي جزءً كبيراً من قيمته.

ويصف الباحث هذا الواقع بأنه نموذج لـ”الافتراس الهيكلي”، حيث لا تُوجه الثروات العامة لخدمة التنمية، بل تُستنزف ضمن شبكات مغلقة تقوم على توزيع الريع وفق اعتبارات الولاء والنفوذ، ما يؤدي إلى إفراغ الدولة من مضمونها المؤسسي وتحويلها إلى غطاء لاقتصاد خفي غير خاضع للمساءلة.

ويطرح المقال رؤية لإصلاح هذا الواقع تبدأ من إعادة تعريف دور الدولة، وإصلاح المؤسسات التي تدير العائدات، من خلال وضع تشريعات جديدة تضمن الإفصاح الكامل عن العقود النفطية والإنفاق الحكومي، وتفرض أنظمة شفافة للمشتريات والرقابة على الصرف، بما يضمن وصول الموارد إلى الفئات المستهدفة عبر قنوات قانونية.

كما يدعو المقال المجتمع الدولي إلى التخلي عن اعتبار الفساد ناتجاً جانبياً للانقسام السياسي، والتعامل معه كأحد أبرز محددات عدم الاستقرار، محذراً من أن أي مساعٍ لتوحيد الحكومة دون إصلاح هيكلي للمؤسسات النقدية، ستؤدي إلى إعادة إنتاج الفساد تحت مظلة مركزية موحدة.

ويختم الباحث مقاله بالتأكيد على أن ليبيا ليست دولة محكومة بالفشل، لكن المضي قدمًا يتطلب مواجهة المنظومة القائمة واستعادة المؤسسات من قبضة الشبكات التي أسهمت في تقويض الدولة، مشدداً على أن التعافي الحقيقي لا يبدأ من التوافق، بل من المواجهة الشاملة مع بنية الفساد المتجذرة.

ووفقا لتصنيف دولي للجرائم الاقتصادية، صدر عن ” سيكريتاريا” للاستشارات القانونية وإدارة المخاطر، فإن ليبيا أصبحت واحدة ضمن أكثر الدول المعرضة للجرائم المالي حول العالم.

وأظهر التقرير وجود ليبيا ضمن قائمة أخطر 10 دول من حيث انتشار الفساد المالي، غسيل الأموال، والجرائم الاقتصادية المنظمة ما يكشف واقعا هشا وفسادا مستشريا يقوض الاستقرار السياسي والاقتصادي، مشيراً إلى أن ليبيا سجلت مستويات مرتفعة من غسيل الأموال، في ظل ضعف الأنظمة الرقابية وغياب التشريعات الرادعة، حيث تحولت البلاد إلى ممر رئيسي للأموال المشبوهة وعمليات التهريب وتمويل الجماعات المسلحة.

 وكشف التقرير، عن أن الجرائم المالية الإلكترونية، تشهد تصاعدا مقلقا، ومن المتوقع أن تزداد بنسبة 60 في المائة مع نهاية 2025، خاصة مع استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي في عمليات الاحتيال والاختراق المالي.

وسلط التقرير الضوء، على تحول قطاع النفط إلى أداة سياسية تستخدمها السلطة القائمة، وخاصة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد دبيبة، لشراء الولاءات وتأمين النفوذ في مواجهة خصومها السياسيين. 

وأكد التقرير، أن عائدات النفط لم تستخدم لإعادة الإعمار أو تحسين معيشة المواطن، بل وظفت لتمويل الميليشيات ومنح امتيازات اقتصادية لقيادات أمنية ومجموعات مسلحة متحالفة مع الحكومة.

وأشار التقرير، إلى أن المؤسسة الوطنية للنفط، إحدى أكثر المؤسسات عرضة للضغوط السياسية، حيث أصبحت قراراتها خاضعة لتجاذبات بين مراكز النفوذ المتنازعة، بينما يتم توزيع إيراداتها خارج الأطر القانونية الشفافة، في ظل غياب جهاز رقابي فعال قادر على مراقبة الإنفاق ومساءلة المتورطين في الفساد.

ووفقاً للتقرير، امتد الفساد ليشمل أغلب القطاعات الحيوية مثل البنية التحتية، الطاقة، التعليم، والقطاع المصرفي، فنحو 40% من المشروعات العامة، لم تنفذ رغم تخصيص ميزانيات ضخمة لها، في وقت يعيش فيه ملايين الليبيين في ظروف معيشية متدهورة.