متى ينتهي الخلاف حول المناصب السيادية في ليبيا؟

0
106

عادت الخلافات حول المناصب السيادية في ليبيا لتتصدر المشهد مجددًا، بعدما فجّر قرار تكليف أحمد عون ضو، بمهام رئيس ديوان المحاسبة من قبل محمد تكالة المتنازع على رئاسة المجلس الأعلى للدولة، موجة من الجدل وردود فعل حادة، بين مؤسسات الدولة وعلى رأسها مجلس النواب، والمجلس الرئاسي، ورئاسة المجلس الأعلى للدولة بقيادة خالد المشري.

القرار الذي أصدره تكالة، مساء الإثنين، نص على تشكيل لجنة لتسليم وتسلم المنصب، برئاسة عضو مجلس الدولة توفيق محمد ارقيق، وتضم في عضويتها مستشار وكيل ديوان المحاسبة أبو بكر بلال الأمين، ومدير الشؤون المالية حسن إبراهيم ميلاد، لتُباشر مهام التسليم بين وكيل الديوان (رئيس الديوان بالإنابة) عطية الله السعيطي، وأحمد ضو، في خطوة اعتُبرت تصعيدًا سياسيًا وخرقًا واضحًا للأطر القانونية المتفق عليها بين السلطات في ليبيا.

سرعان ما جاء رد مجلس النواب، حيث رفض رئيسه عقيلة صالح القرار جملة وتفصيلًا، معتبراً إياه إجراءً فاقدًا للشرعية ومخالفًا للنصوص القانونية والدستورية.

 وأبلغ مدير مكتب شؤون رئاسة مجلس النواب المكلف، مبروك امقيطف، كافة الجهات السيادية، وعلى رأسها المجلس الأعلى للقضاء والنائب العام ومحافظ مصرف ليبيا المركزي، بعدم الاعتداد بالقرار الصادر عن تكالة، مؤكداً أن صلاحية تعيين شاغلي المناصب السيادية هي اختصاص أصيل لمجلس النواب وحده، بالتشاور مع مجلس الدولة، لكن إصدار القرار نفسه يجب أن يتم حصريًا عبر البرلمان.

في السياق ذاته، أصدر خالد المشري، المتنازع مع تكالة على رئاسة المجلس الأعلى للدولة، بياناً شديد اللهجة أكد فيه رفضه القاطع لما وصفه بـ”التعدي على الشرعية والمؤسسات”، متمسكًا بأن خالد شكشك هو الرئيس الشرعي والوحيد لديوان المحاسبة حتى يتم التوافق الدستوري بين مجلسي النواب والدولة وفقًا للآليات المعتمدة، وعلى رأسها مخرجات اتفاق بوزنيقة بالمغرب.

المشري أشار في بيانه إلى أن ما صدر عن تكالة يمثل “اعتداءً صريحًا على أحكام الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي”، محذرًا من أن المضي في هذه الخطوات الأحادية سيؤدي إلى مزيد من الانقسام داخل المؤسسات الحساسة، ويهدد استقرار البلاد السياسي الهش، خاصة في ظل غياب اتفاق واضح على توحيد المناصب السيادية منذ سنوات.

وفي خضم هذه التجاذبات، دخل المجلس الرئاسي الليبي على خط الأزمة، معرباً عن قلقه العميق مما وصفه بـ”تصعيد غير مبرر” من خلال خطوات أحادية يتخذها بعض الأطراف، تؤدي إلى تقويض الاستقرار النسبي الذي تحاول ليبيا الحفاظ عليه في خضم أزمتها الممتدة منذ أكثر من عقد.

وأكد المجلس الرئاسي، في بيان رسمي، أنه يتابع هذه التطورات عن كثب، مطالبًا مجلسي النواب والدولة بالإسراع في تجاوز خلافاتهما والالتزام بالتوافق حول المناصب السيادية بما ينسجم مع الاتفاق السياسي، داعياً الأطراف إلى تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الآنية والشخصية.

وشدد المجلس الرئاسي على أن “استمرار حالة الجمود وغياب التوافق سيُقابل بخطوات حاسمة من جانبه لمعالجة هذا القصور بما يضمن الحفاظ على وحدة الدولة ومؤسساتها”، ملمحًا إلى استعداده للتدخل إذا ما استمرت هذه التجاذبات في تعطيل مسار الاستحقاقات الوطنية وتوحيد المؤسسات الرقابية والمالية.

أزمة ديوان المحاسبة الأخيرة تعكس عمق الخلاف السياسي بين مؤسسات الدولة الليبية، وتؤكد استمرار غياب التوافق على توزيع المناصب السيادية، في وقت تتزايد فيه التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجه المواطن الليبي، وسط قلق متصاعد من أن تؤدي هذه التجاذبات إلى نسف الجهود الدولية والمحلية الرامية لإعادة الاستقرار السياسي والمؤسسي للبلاد.