صدام الصلاحيات في ليبيا: من يملك حق تعيين رئيس ديوان المحاسبة؟

0
106
خالد شكشك وعقيلة صالح
خالد شكشك وعقيلة صالح

في مشهد يعكس عمق الانقسام السياسي والمؤسساتي في ليبيا، عاد الجدل مجددًا حول من يمتلك شرعية تعيين رئيس ديوان المحاسبة، بعدما أصدر محمد تكالة، المتنازع على رئاسة المجلس الأعلى للدولة، قراراً مثيراً بتكليف أحمد عون ضو بمهام رئيس الديوان مؤقتاً، وهي خطوة وُوجهت برفض واسع واعتُبرت أنها تفتقر لأي أساس قانوني.

القرار، الصادر بتاريخ 14 أبريل الجاري، نص على تشكيل لجنة تسليم وتسلُّم برئاسة عضو المجلس توفيق ارقيق لتولي نقل المهام من وكيل الديوان عطية الله السعيطي إلى المكلف الجديد أحمد ضو، ما دفع عضو مجلس الدولة أبو القاسم قزيط إلى مهاجمته واعتباره عبثاً جديداً في مشهد مبعثر، مؤكداً أن تعيين رئيس ديوان المحاسبة لا يتم إلا بتوافق رسمي بين مجلسي النواب والدولة، ويحتاج إلى تصويت مشترك لم يحدث لا علناً ولا ضمنياً.

الرد الأقوى جاء من مجلس النواب، حيث أصدر رئيسه المستشار عقيلة صالح بياناً حاسماً دعا فيه إلى عدم الاعتداد بالقرار الصادر عن “تكالة”، واعتبره مخالفاً للقانون والاتفاق السياسي، وأوضح أن قرارات التكليف تصدر من مجلس النواب حتى في حال وجود تشاور مع المجلس الأعلى للدولة.

كما دعا البيان الصادر عن البرلمان إلى تبليغ كافة الجهات بعدم التعامل مع ما ورد في كتاب التكليف، مطالباً بوضع هذه التوجيهات موضع التنفيذ.

الجدل حول رئاسة ديوان المحاسبة لم يبدأ مع تكالة، بل تفجّر من جديد منذ منتصف مارس حين دخل وكيل الديوان عطية الله السعيطي في مواجهة مفتوحة مع رئيسه خالد شكشك، الذي اتهمه السعيطي بـ”انتحال صفة” رئيس الديوان، ملوحًا بإحالة القضية إلى النائب العام، مستنداً إلى أمر ولائي من محكمة نالوت الابتدائية صدر في 20 مارس الماضي، ويقضي بإيقاف شكشك عن ممارسة مهامه رسمياً.

ورغم أن شكشك لم يرد علناً على هذه الاتهامات، إلا أن ظهوره لاحقًا في لقاء مع رئيس مجلس النواب فُسر كرسالة دعم ضمني لاستمراره في موقعه، وهو ما تم تأكيده بعد أيام ببيان رسمي من رئاسة المجلس شدد على استمرار تكليف شكشك رئيساً للديوان، وإلغاء تعيين السعيطي كوكيل له، مع التأكيد على أن القرار الأخير يُعتبر “كأن لم يكن”.

وفي ديسمبر من العام الماضي، وجه رئيس مجلس النواب الليبي خطاب إلى رئيس ديوان المحاسبة الليبي، كلفه فيه بالاستمرار في رئاسة الديوان بالمنطقة الغربية، إلى حين التوافق على تسمية المناصب السيادية، وطالبه باتخاذ الإجراءات التنظيمية والقانونية كافة المنظمة لسير العمل، حتى صدور حكم بات من القضاء.

وجاء خطاب عقيلة صالح، بعد خطاب رئيس فرع إدارة القضايا بطرابلس إلى عدد من الإدارات القانونية بالمؤسسات الاقتصادية، من بينها المصرف المركزي ومؤسسة النفط، الذي يفيد بإصدار محكمة جنوب طرابلس الابتدائية أمراً بإيقاف رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك، لزوال صفته المبنية على قرار مجلس النواب رقم 2014/30.

كان خالد المشري، الذي يتنازع مع تكالة سلطته على رئاسة المجلس الأعلى للدولة، قد خاطب شكشك في ديسمبر الماضي مؤكداً استمراره في منصبه إلى حين التوافق مع مجلس النواب، في موقف يعكس بدوره ازدواجية المرجعيات داخل الجسم السياسي ذاته.

ويعيد الصراع الحالي فتح ملف المناصب السيادية الذي نظمه الاتفاق السياسي في مادته الخامسة عشرة، والذي نص على سبعة مناصب رئيسية بينها ديوان المحاسبة، على أن يتولى المجلس الأعلى للدولة تقديم مرشحين لها، بينما يُمنح مجلس النواب صلاحية الاختيار النهائي بعد آلية تصويت مشترك.

وجاء اتفاق بوزنيقة الموقع بين المجلسين في 2020 ليحدد توزيع المناصب السيادية على الأقاليم الليبية الثلاثة، بحيث تكون رئاسة ديوان المحاسبة من نصيب إقليم طرابلس، على أن تتم التعيينات ضمن لجنة مشتركة من المجلسين وفق ضوابط محددة.

ووفقا لاتفاق بوزنيقة الذي ينظم العلاقة بين المجلسين بخصوص المناصب السيادية فإن الأسماء تحال إلى مجلس النواب ليختار 3 من الـ7 المرسلين من المجلس الأعلى للدولة، وتحال مرة أخرى إلى مجلس الدولة ليختار مترشحا واحدا من المترشحين الـ3.

وينص الاتفاق السياسي في مادته الـ15 على سبعة مناصب سيادية، وهي محافظ المصرف المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، إضافة إلى رئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات ورئيس المحكمة العليا ومعهم منصب النائب العام.

وعلى الرغم من وضوح آلية التعيين نظريًا، إلا أن غياب التوافق السياسي واستمرار الانقسام المؤسساتي يُفرغان النصوص من مضمونها، ويحولان المناصب السيادية إلى أدوات للصراع بدل أن تكون ركيزة لإعادة بناء الدولة.

ويكشف التنازع الجاري على رئاسة ديوان المحاسبة عن حالة انسداد حقيقية، لا يبدو أن القانون وحده قادر على حلها، في ظل تآكل المرجعيات الدستورية وتعدد مصادر القرار.

ولا يحتاج المشهد الليبي، بكل تناقضاته، إلى مزيد من الأجسام المتوازية والقرارات المتضاربة، بل إلى إرادة سياسية تعيد ضبط المؤسسات على قاعدة واحدة، وفي غياب ذلك، يبدو أن الصراع على المناصب الرقابية والمالية لن يكون الأخير، بل مقدمة لصدامات قادمة في دولة تتنازعها الشرعيات وتفتقر إلى سلطة تنفيذية موحدة قادرة على فرض احترام القانون.