ما علاقة حكومة الوحدة بتحرير سعر صرف الدينار في ليبيا؟

0
283
مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي
مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي

في ظل استمرار الانقسام السياسي والمؤسساتي في ليبيا، تصاعدت تداعيات السياسات المالية والاقتصادية على واقع الدينار الليبي، حيث كشف مصرف ليبيا المركزي أن قرار تعديل سعر صرف الدينار جاء نتيجة ضغوط تمارسها حكومة الوحدة الوطنية لتغطية إنفاقها المتزايد.

وجاءت هذه الخطوة في وقت يشهد فيه الاقتصاد الليبي تحديات متراكمة، من بينها تعدد الحكومات، وغياب ميزانية موحدة، واستمرار التوسع في الإنفاق العام دون غطاء نقدي كافٍ، ما أدى إلى اختلال كبير في توازن السوق النقدية وزيادة الضغط على الاحتياطيات الأجنبية.

وأكد محضر اجتماع المصرف المركزي، أن تعديل سعر الصرف كان بضغط من حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبدالحميد دبيبة، لتغطية إنفاقها المتزايد.

وجاء في محضر الاجتماع، أن الإنفاق الحكومي الموسع بنظام 1/12 وغياب ميزانية موحدة ووجود حكومتين أهم أسباب تغيير سعر الصرف.

ونقل تلفزيون المسار، أمس الإثنين، تفاصيل الاجتماع، بالقول: “تعديل سعر الصرف كان بضغط من حكومة الوحدة لتغطية إنفاقها المتزايد خلال 2025/2024 وهذا ما رفضه نصف أعضاء مجلس الإدارة ووافق عليه النصف الآخر”. ونشر التلفزيون، قائمة أسماء الرافضين والمؤيدين لقرار تحرير سعر الصرف، من أعضاء مجلس الإدارة، وهم:

الرافضون من المنطقة الشرقية والجنوبية وهم: (نائب المحافظ مرعي البرعصي، والأعضاء: وسام الكيلاني، وفاخر بوفرنه، وفوزي بوخزام)، في حين أن المؤيدين من أعضاء مجلس الإدارة عن المنطقة الغربية وهم: (المحافظ ناجي عيسى، والأعضاء: رضا قرقاب، وعامر كركر، وعلي عمران). 

وأكد مصرف ليبيا المركزي أن الإنفاق العام المزدوج من حكومة الوحدة الوطنية، والحكومة المكلفة من مجلس النواب، أسهم في اتساع واختلال الفجوة بين الطلب والعرض من العملات الأجنبية، وحال دون المحافظة على استقرار سعر الصرف، والرفع من قيمة الدينار.

وأصدر المصرف بيانا، الأحد، قال إن الهدف منه توضيح الحقائق والتحديات التي تواجه إدارة المصرف وواقع الاقتصاد الليبي، موضحاً أن حجم الإنفاق العام المزدوج خلال العام 2024 بلغ 224 مليار دينار، منها 123 مليارا نفقات حكومة الوحدة، و42 مليارا مبادلة النفط، ونحو 59 مليارا إنفاق حكومة أسامة حماد مقابل إيرادات نفطية وضريبية بلغت 136 مليار دينار.

وأكد المصرف أن هذا الإنفاق ولد طلبا على النقد الأجنبي بقيمة 36 مليار دولار، مما أسهم في اتساع واختلال الفجوة بين الطلب والعرض من العملات الأجنبية، وحال دون المحافظة على استقرار سعر الصرف والرفع من قيمة الدينار .

وأدى التوسع في الإنفاق العام المزدوج خلال السنوات الماضية وخلال العام 2024 إلى زيادة كبيرة في عرض النقود إلى أن وصل إلى 178.1 مليار دينار، ما من شأنه أن يؤدي إلى تأثيرات اقتصادية سلبية عدة، ويضع تحديات أمام المصرف في ظل محدودية الأدوات المتاحة لاحتوائه، وسيُحدث مزيداً من الطلب على النقد الأجنبي، واستمرار الضغط على سعر صرف الدينار الليبي مقابل العملات الأجنبية في السوق الموازية، ومعدلات التضخم، ومخاطر فقدان عنصر الثقة في العملة المحلية.

وأشار البيان إلى ضعف إيرادات الصادرات النفطية الموردة إلى مصرف ليبيا المركزي، إذ بلغت خلال العام 2024 نحو 18.6 مليار دولار فقط، بينما بلغت المصروفات من النقد الأجنبي 27 مليار دولار، مما أنتج فجوة كبيرة بين حجم الطلب على النقد الأجنبي والمتاح منه، الأمر الذي جعل من الصعب على إدارة المصرف المركزي تحديد سياسة واضحة لإدارة سعر الصرف نتيجة الطلب المتزايد على النقد الأجنبي، والتوسع في الإنفاق العام المزدوج.

وحذر البيان أنه في ظل الاستمرار في إصدار قرارات بالصرف على أساس اعتمادات 12/1 خلال العام 2025 من قِبل الحكومتين، واستمرار التوسع في الإنفاق العام بوتيرة العام 2024 نفسه، وبلوغه مستويات 224 مليار دينار، فإن «الوضع المالي والاقتصادي للدولة سيتفاقم ويضع تحديات جديدة أمام المصرف ومزيداً من الطلب على النقد الأجنبي، وسيؤدى إلى تفاقم العجز في ميزان المدفوعات والميزانية العامة، وتنامي رصيد الدين العام”.

وخفض مصرف ليبيا المركزي مخصصات النقد الأجنبي للأغراض الشخصية والدراسة والعلاج بالخارج إلى ألفي دولار سنوياً أو ما يعادله من العملات الأجنبية الأخرى مقارنة بأربعة آلاف دولار أو ما يعادله من العملات الأجنبية الأخرى والتي كان قد أقرها المصرف للعام 2024.

وأصدر المصرف، الأحد، تحديثاً جديداً حدد من خلاله الضوابط المنظمة لشراء النقد الأجنبي للأغراض الشخصية والدراسة والعلاج والتي منح بموجبها المصارف صلاحية البت في طلبات بيع النقد الأجنبي للأغراض الشخصية عن طريق الرقم الوطني لكل مواطن ليبي يبلغ من العمر 18 سنة فما فوق بعد استيفاء كافة المتطلبات الواردة بمنصة حجز العملة الأجنبية من خلال جميع المصارف العاملة في ليبيا.

ويعكس الجدل الدائر داخل مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي بشأن تحرير سعر الصرف حجم التباين في الرؤى بين أطراف الأزمة الليبية، في وقت يواجه فيه الاقتصاد تحديات متزايدة تهدد الاستقرار النقدي والمالي.

وبينما يحاول المصرف المركزي ضبط إيقاع السياسة النقدية وسط تعقيدات سياسية واقتصادية عميقة، يبقى مستقبل الدينار الليبي رهيناً بتوافق سياسي فعلي، وضبط الإنفاق العام، والانتقال نحو سياسات مالية أكثر توازناً واستدامة.