الدولار في ليبيا.. أزمة اقتصادية تثقل كاهل المواطنين في العيد وبعده

0
261
ارتفاع الأسعار في ليبيا

يواجه الاقتصاد الليبي أزمة متفاقمة مع تصاعد سعر صرف الدولار في السوق الموازية، مقترباً من حاجز السبعة دنانير، ما ينذر بتداعيات خطيرة على الأوضاع المعيشية، خصوصاً مع حلول عيد الفطر المبارك.

هذه الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل تأتي امتداداً لتراكمات سابقة مرتبطة بتراجع الإيرادات النفطية، وهي المصدر الأساسي للعملة الصعبة في البلاد، واستمرار حالة عدم الاستقرار الاقتصادي، إضافة إلى سياسات مالية غير متسقة بين المصرف المركزي والجهات الحكومية.

وساهمت السياسات النقدية لمصرف ليبيا المركزي، خلال الإدارة السابقة للمصرف برئاسة الصديق الكبير، في تعميق أزمة سعر الصرف بدلاً من حلها، نتيجة لغياب استراتيجية نقدية موحدة وفعالة، حتى أن الإدارة الجديدة برئاسة ناجي عيسى لم تنجح في حل الأزمة.

وخلال السنوات الماضية، تبنّى المصرف سياسات متضاربة، مثل فرض رسوم على بيع النقد الأجنبي، والتي بدأت عام 2018 بنسبة 183%، كإجراء لسد الفجوة بين السعر الرسمي والموازي، لكنه فشل في تحقيق استقرار دائم، وعلى الرغم من أن هذه الرسوم ساعدت مؤقتاً في تقليص الفارق بين السعرين، فإن إلغاءها لاحقًا، دون بدائل حقيقية، أعاد السوق إلى حالة عدم الاستقرار، ما جعل الدولار يقفز مجددًا في السوق السوداء.

إضافة إلى ذلك، تأخرت قرارات تحرير سعر الصرف، وتم تطبيقها بطريقة غير مدروسة، ما زاد من حالة الضبابية في السوق، ودفع التجار إلى المضاربة، مع غياب أي رقابة فعالة على تدفقات العملة الصعب، إضافة إلى أن استمرار الإنفاق الحكومي غير المنضبط، مع غياب سياسات نقدية متماسكة، أسهم في ارتفاع معدلات التضخم، ما جعل المواطن الليبي يتحمل أعباء اقتصادية إضافية مع استمرار انهيار القوة الشرائية للدينار.

ويظهر تحليل البيانات الصادرة عن مصرف ليبيا المركزي أن إجمالي مبيعات النقد الأجنبي خلال النصف الأول من مارس 2025 بلغ 2.3 مليار دولار، خصص منها 1.1 مليار دولار للأغراض الشخصية و1.2 مليار دولار للاعتمادات المستندية، في محاولة لتغطية احتياجات السوق المحلية؛ لكن هذه الإجراءات لم تحدّ من اتساع الفجوة بين السعر الرسمي والموازي، ما يعكس ضعف الأدوات النقدية المستخدمة في إدارة الأزمة.

ويرى الخبراء أن العامل الرئيسي وراء هذه الأزمة يكمن في المضاربات المتزايدة في السوق السوداء، مدفوعة بانخفاض العائدات النفطية وغياب الرقابة الفاعلة على تدفقات النقد الأجنبي، وفي المقابل، تعكس تصريحات بعض الاقتصاديين غياب سياسات نقدية واضحة، حيث يواصل المصرف المركزي إدارة الأزمة بصورة منفصلة عن وزارتي المالية والاقتصاد، ما أسهم في تفاقم أزمة السيولة وزيادة الطلب على الدولار خارج القنوات الرسمية.

ومن جهة أخرى، لا تزال حكومة الوحدة تواجه صعوبات في معالجة العجز في ميزان المدفوعات، رغم الدعوات المتكررة لتبني سياسات إصلاحية تشمل ترشيد الإنفاق العام، وتعزيز الجباية الضريبية، وفرض رقابة مشددة على عمليات الاستيراد لمنع تهريب النقد الأجنبي، إلا أن هذه الحلول تواجه عقبات مرتبطة بالتجاذبات السياسية والانقسام المؤسساتي بين الشرق والغرب، ما يعزز حالة عدم اليقين في الأسواق.


ويشير الوضع الراهن إلى أن ارتفاع سعر الدولار لن يكون أزمة مؤقتة، بل قد يتحول إلى عامل ضغط اجتماعي كبير، وهو ما لاحظه المواطن الليبي خلال شهر رمضان الذي شارف على الانتهاء وستستمر تداعياتها لما بعد عيد الفطر، مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وبالتالي فإن غياب الحلول الجذرية سيؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية لليبيين، ويزيد من معدلات التضخم والفقر.