أزمة جديدة تعصف بديوان المحاسبة الليبي وسط تصاعد الخلافات الداخلية

0
186

تجددت الخلافات داخل ديوان المحاسبة الليبي على خلفية النزاع المستمر حول شرعية رئاسته، بعدما وجّه وكيل الديوان، عطية الله السعيطي، خطاباً رسمياً طالب فيه رئيس الديوان، خالد شكشك، بتسليم مهامه تنفيذاً للأحكام القضائية الصادرة بحقه. 

ويعكس هذا التصعيد عمق الأزمة التي تعانيها مؤسسات الدولة الليبية، حيث باتت المؤسسات السيادية جزءً من صراع النفوذ بين الأطراف المتنافسة، في ظل الانقسام السياسي الذي يعرقل تنفيذ القرارات القضائية والإدارية.  

اتهم السعيطي رئيس الديوان المنتهية ولايته بانتحال الصفة والاستمرار غير القانوني في ممارسة مهامه، معتبرًا أن تجاهله للأحكام القضائية يمثل خرقاً واضحاً للقانون، كما شدد على أن الديوان سيتخذ إجراءات قانونية صارمة في حال عدم امتثاله. 

هذه التطورات تأتي في وقت تتزايد فيه الاتهامات الموجهة لشكشك بالتلاعب في الملفات المالية الحساسة واستغلال منصبه لتحقيق مكاسب شخصية، وسط تصاعد الضغوط المطالبة بإعادة هيكلة قيادة المؤسسة الرقابية الأعلى في البلاد.  

ويشغل شكشك منصبه منذ عام 2013، حين عُيّن رئيسًا للديوان لمدة ثلاث سنوات، ثم تم التجديد له حتى عام 2019، غير أن استمراره في المنصب بعد ذلك بات مثار جدل واسع، حيث ظل يجدد لنفسه رغم انتهاء ولايته، مستفيداً من الانقسام السياسي الذي حال دون تنفيذ قرار مجلس النواب بإقالته. 

ومع أن محكمة جنوب طرابلس الابتدائية أصدرت حكماً في ديسمبر الماضي بوقفه عن أداء مهامه، معتبرة أن صفته القانونية كرئيس للديوان قد زالت، فإنه لا يزال يتمسك بمنصبه، مستنداً إلى قرارات سابقة للمحكمة العليا ودعم حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، التي أكد رئيسها عبد الحميد الدبيبة أن شكشك يظل رئيسًا للديوان إلى حين الاتفاق على المناصب السيادية.  

وفي ديسمبر الماضي، وجه رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، خطاب إلى رئيس ديوان المحاسبة الليبي خالد شكشك، كلفه فيه بالاستمرار في رئاسة الديوان بالمنطقة الغربية، إلى حين التوافق على تسمية المناصب السيادية. 

وتصاعد الخلاف داخل الديوان تزامن مع اتهامات وجهها وكيله للسعيطي، متعلقة بإهدار المال العام والتلاعب في الاعتمادات المستندية وصرف مبالغ ضخمة بطرق غير مشروعة. 

 كما تحدث عن تورطه في تحويل ملفات مالية حساسة إلى جهات خارجية، وهو ما وصفه بأنه تهديد للأمن المالي للدولة، كذلك، أشار إلى تجاوزات تتعلق بإيفاد أفراد من أسرة رئيس الديوان للدراسة بالخارج على حساب الدولة، بينما حُرم الباحثون والمتفوقون من هذه الفرص، فضلاً عن مخالفات طالت ملف العلاج بالخارج وإدارة توريدات جائحة كورونا، التي اعتُبرت إحدى أكثر الملفات فساداً بسبب شبهات المحسوبية وسوء الإدارة.  

الملف الإداري داخل الديوان لم يكن بعيداً عن الاتهامات، حيث أشار السعيطي إلى إدخال آلاف الموظفين في منظومة الرقم الوطني بطرق غير قانونية، ومنح امتيازات وظيفية لأقارب رئيس الديوان على حساب موظفين آخرين كانوا في أمسّ الحاجة لهذه الإفراجات. 

وهذه الممارسات تعكس حجم الاختلالات التي يعانيها الجهاز الرقابي، الذي يُفترض أن يكون أداة لمكافحة الفساد، لكنه بات ساحة لصراعات المصالح الشخصية والسياسية.  

يرى مراقبون أن الأزمة داخل ديوان المحاسبة ليست مجرد خلاف إداري، بل تعكس صراعاً سياسياً أعمق، حيث تحرص أطراف نافذة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، على إبقاء شكشك في منصبه لضمان استمرار نفوذها داخل المؤسسات السيادية، والتحكم في ملفات مالية حساسة تتيح لها فرض ضغوط على الحكومات والجماعات المسلحة. 

وهذا الصراع يعكس الفشل المتكرر في التوصل إلى توافق سياسي حول إعادة تشكيل المناصب السيادية، ما يجعل المؤسسات الرقابية رهينة لتجاذبات القوى المتناحرة.  

وأعربت البعثة الأممية في عدة مناسبات عن قلقها إزاء تفاقم الأزمة داخل الديوان، معتبرة أن استمرار هذا الوضع يشكل تهديدًا خطيرًا لاستقلالية الجهاز الرقابي، فيما عبرت السفارة الأمريكية في ليبيا عن مخاوفها من الضغوط السياسية التي تُمارس على المؤسسات التكنوقراطية، محذرة من أن استمرار الصراع حول قيادة الديوان سيؤدي إلى مزيد من التدهور في منظومة الشفافية والمحاسبة داخل الدولة.  

في ظل هذا المشهد، يبقى ديوان المحاسبة نموذجاً لحالة الفوضى التي تعانيها ليبيا، حيث باتت المؤسسات السيادية أداة في صراع النفوذ بدلاً من أن تكون أدوات للإصلاح والرقابة. 

ومع استمرار حالة الجمود السياسي، يظل مصير الجهاز الرقابي مرهوناً بتوازنات القوى، فيما تتزايد المخاوف من أن يؤدي هذا الصراع إلى شل قدرة الديوان على أداء مهامه، في وقت تحتاج فيه ليبيا إلى مؤسسات قوية قادرة على حماية المال العام ومكافحة الفساد.