مخاطر أمنية واجتماعية واقتصادية.. تأثير توطين المهاجرين في ليبيا

0
175

يشكل توطين المهاجرين في ليبيا قضية حساسة تحمل تداعيات أمنية واجتماعية واقتصادية، خاصة في ظل عدم الاستقرار السياسي وضعف الرقابة على الحدود، ومع تزايد أعداد المهاجرين غير النظاميين، تتعاظم المخاوف من انعكاسات التوطين الدائم على البنية المجتمعية والاقتصادية للبلاد.

على الصعيد الأمني، يُمثل انتشار المهاجرين غير النظاميين في ليبيا تحديًا للجهات الأمنية، حيث تشير التقارير إلى أن بعض الشبكات الإجرامية تستغل ضعف الرقابة لاستقطاب المهاجرين في أنشطة غير قانونية، مثل التهريب والاتجار بالبشر، كما أن غياب السياسات الواضحة لتنظيم أوضاعهم يزيد من احتمالية وجود عناصر خطرة قد تهدد الاستقرار الداخلي.

أما من الناحية الاجتماعية، فإن التوطين العشوائي للمهاجرين قد يؤدي إلى احتكاكات ثقافية واجتماعية، خاصة في ظل الاختلافات اللغوية والدينية، ويخشى البعض من أن يؤدي ذلك إلى تآكل الهوية الوطنية، بالإضافة إلى الضغوط المتزايدة على الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والإسكان، مما قد يؤثر على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

اقتصاديًا، يمثل المهاجرون شريحة كبيرة من القوى العاملة، خاصة في القطاعات غير الرسمية مثل البناء والزراعة، ورغم مساهمتهم في سد النقص في بعض الوظائف، فإن المنافسة مع العمالة المحلية قد تزيد من معدلات البطالة بين الليبيين، كما أن التحويلات المالية التي يرسلها المهاجرون إلى بلدانهم الأصلية تؤدي إلى خروج العملة الصعبة من السوق الليبية، ما يؤثر على الاقتصاد الوطني.

وقد أكدت عدة جهات سياسية وأمنية في ليبيا على رفض توطين المهاجرين، مشيرة إلى المخاطر التي قد تهدد الاستقرار الداخلي للبلاد، في هذا السياق، حذر مجلس الأمن القومي الليبي من تصاعد مخاطر الهجرة غير الشرعية وتأثيرها السلبي على أمن واستقرار البلاد.

وأوضح المجلس في بيان رسمي أن الهجرة غير الشرعية باتت تشكل تهديدًا مباشرًا للنسيج الاجتماعي والأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، مشيرًا إلى تفشي الجريمة وعمليات النصب والاحتيال، بالإضافة إلى تسلل الجماعات الإرهابية وتفاقم تجارة المخدرات.

كما حذر المجلس من محاولات بعض الجهات الخارجية لاستغلال قضايا حقوق الإنسان من أجل فرض توطين المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا، معتبرًا ذلك انتهاكًا لسيادة البلاد وتهديدًا لمصالحها الوطنية. وأكد المجلس على ضرورة تعزيز الرقابة على الحدود وتكثيف الجهود الأمنية لتفعيل القوانين الرادعة لمكافحة الهجرة غير الشرعية.

وفي نفس السياق، أكدت كتلة التوافق الوطني بالمجلس الأعلى للدولة رفضها القاطع لتحويل ليبيا إلى مركز إيواء للمهاجرين، مشيرة إلى أن قضية المهاجرين غير النظاميين تحتاج إلى معالجة جذرية تأخذ بعين الاعتبار الأسباب السياسية والاقتصادية والإنسانية.

ودعت الكتلة إلى مصارحة الشعب الليبي بتفاصيل أي اتفاقيات أو تفاهمات تتعلق بهذا الملف، محذرة من أن استمرار الانقسام السياسي في ليبيا قد يزيد من تدفق المهاجرين إلى أوروبا.

وأشارت الكتلة إلى ضرورة إصدار تشريعات واضحة من قبل مجلس النواب لمعالجة أزمة الهجرة غير النظامية بما يحفظ الأمن الوطني الليبي ويمنع استغلال ليبيا كأداة لحماية حدود الدول الأخرى.

المحلل السياسي الليبي محمد امطيريد، أكد في تصريحات صحفية أن رفض ليبيا لمقترح توطين المهاجرين ليس مجرد موقف سياسي، بل هو قرار نابع من اعتبارات أمنية، اقتصادية، واجتماعية معقدة. موضحاً أن قبول توطين المهاجرين سيؤدي إلى خلق بؤر توتر جديدة قد تستغلها شبكات التهريب والجماعات المسلحة، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني ويهدد استقرار البلاد.

وأشار امطيريد، إلى أن ليبيا أصبحت ضحية للسياسات الأوروبية غير المتوازنة، التي تحاول تصدير أزمة الهجرة إليها دون تقديم حلول حقيقية، كما كشف أن بعض الدول الأوروبية، مثل إيطاليا وفرنسا، تسعى لإبرام اتفاقيات لإعادة المهاجرين إلى ليبيا، رغم الانتقادات الحقوقية الدولية لظروف احتجازهم داخل البلاد.

من جهته، حذر المحلل السياسي الليبي إسلام الحاجي، من أن استمرار تدفق المهاجرين غير الشرعيين بهذه الوتيرة العالية قد يؤدي خلال العقدين المقبلين إلى تغيير ديمغرافي خطير في ليبيا، نظرًا لقلة عدد السكان الأصليين واتساع مساحة البلاد وثرواتها التي تجذب المهاجرين.

وأضاف الحاجي أن الضغوط الأوروبية قد تدفع ليبيا إلى اتخاذ مواقف أكثر تشددًا، خاصة أنها ترى أن الحلول المطروحة لا تخدم مصالحها الوطنية. وأكد أن ليبيا لا تزال منفتحة على التعاون في مكافحة الهجرة غير الشرعية، لكن وفق شروط تحترم سيادتها وتأخذ بعين الاعتبار التحديات الداخلية.

وشدد الحاجي على أن الليبيين يجب أن يتوحدوا لدعم خفر السواحل والقوات العسكرية لحماية الحدود، وتعزيز برامج الترحيل إلى البلدان الأصلية للمهاجرين. وأكد أن ليبيا ليست ملزمة قانونيًا بتوطين المهاجرين، محذرًا من أن استمرار الضغوط الأوروبية قد يؤدي إلى مواجهات مسلحة لمنع هذه السياسات بالقوة.

ويرى المراقبون أن الاتحاد الأوروبي يمارس ضغوطًا متزايدة على ليبيا، مستغلًا هشاشة الدولة على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، بهدف إقناعها بقبول فتح مراكز دائمة لاستقبال المهاجرين، مقابل تقديم مساعدات مالية وتقنية بشروط تخدم حماية الدول الأوروبية من تدفق المهاجرين.