البنك الدولي يعود إلى طرابلس.. دعم للتنمية أم استنزاف للثروات الليبية؟

0
431

عاد البنك الدولي إلى ليبيا بعد أكثر من ست سنوات من الإغلاق، معلناً دعمه لجهود التنمية الاقتصادية في البلاد عبر مبادرات تستهدف تعزيز الشفافية والتحول الرقمي وتحسين الأداء المؤسسي.

وتأتي هذه العودة في وقت تواجه فيه ليبيا تحديات اقتصادية كبرى، أبرزها الاعتماد المفرط على النفط والانقسامات السياسية التي تعرقل أي جهود إصلاحية مستدامة.

وفي المقابل، تشير التوقعات إلى تحقيق البلاد أعلى معدل نمو اقتصادي عربي في 2025، ما يعزز التساؤلات حول الدور الحقيقي للبنك الدولي: هل يسهم في إعادة بناء الاقتصاد الليبي، أم أنه يعيد تدوير نماذج سابقة أدت إلى استنزاف الموارد دون تحقيق تنمية فعلية؟

تاريخياً، ارتبط وجود المؤسسات المالية الدولية في الدول الغنية بالموارد بجدل مستمر حول أهدافها الحقيقية، إذ يرى البعض أنها تقدم حلولاً تقنية واستشارية تدعم الاستقرار، بينما يعتبر آخرون أنها تفرض سياسات اقتصادية تخدم مصالحها أكثر من مصالح الشعوب.

وفي ليبيا، التي تكبد اقتصادها خسائر تقدر بنحو 600 مليار دولار خلال العقد الماضي، يبرز القلق من أن يؤدي التعاون مع البنك الدولي إلى برامج تقشفية أو توصيات قد تزيد من هشاشة الاقتصاد بدلًا من إنعاشه، خاصة مع ضعف المؤسسات المحلية وعدم وضوح رؤية وطنية متماسكة لاستثمار أي دعم خارجي بشكل فعّال.

ويشير إعلان البنك الدولي عن حزمة مبادرات في ليبيا إلى دعم تقني واستشاري يستهدف تعزيز الإفصاح المالي وتحسين كفاءة المؤسسات العامة، إلا أن هذه الخطوات تصطدم بواقع الانقسامات السياسية والتحديات الاقتصادية المرتبطة بالاعتماد المفرط على النفط.

وعلى الرغم من توقعات البنك بأن تتصدر ليبيا قائمة الدول العربية من حيث معدل النمو الاقتصادي عام 2025 بنسبة تصل إلى 14%، إلا أن استمرار الأزمات السياسية قد يحد من تحقيق هذه التقديرات.

وأشار تقرير مصرف ليبيا المركزي الصادر في يناير 2024 إلى تحقيق إيرادات عامة بلغت 25 مليار دولار، مقابل إنفاق بلغ 27 مليار دولار، حيث شكلت مبيعات النفط الحصة الكبرى من الإيرادات بواقع 15 مليار دولار، بينما لم تتجاوز إيرادات الضرائب نصف مليار دولار. في المقابل، بلغ الإنفاق على الرواتب 14 مليار دولار، فيما خُصص 5 مليارات دولار لمشروعات التنمية، ما يعكس استمرار هشاشة المالية العامة، واعتماد الدولة على الإيرادات النفطية.

وحدد تقرير البنك الدولي الصادر قبل شهرين مسارات محتملة للنمو المستدام وزيادة الإنتاجية، متوقعاً استقرار الاقتصاد الليبي في ظل انتعاش إنتاج النفط، إلا أن استمرار هذا الاستقرار مرهون بتحقيق توافق سياسي وإجراء إصلاحات اقتصادية، خاصة في ظل تقديرات خسائر الاقتصاد الليبي خلال العقد الماضي بنحو 600 مليار دولار، بالقيمة الثابتة للدولار لعام 2015، نتيجة النزاعات والصراعات المستمرة، مؤكداً أنه في حال غياب الصراع، لكان الناتج المحلي الإجمالي لليبيا قد ارتفع بنسبة 74% في 2023.

وتتجاوز التحديات الاقتصادية مسألة الاستقرار السياسي لتشمل الاعتماد الأحادي على النفط، وضعف التنويع الاقتصادي، وتراجع جودة الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، مما يعمق الهشاشة الاقتصادية.

ومع توقع ارتفاع إنتاج النفط إلى 1.2 مليون برميل يومياً في 2024، وأكثر من 1.3 مليون برميل يومياً في 2026، يرجح أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6% في 2025 و8.4% في 2026، مدعوماً بتحسن عائدات النفط، أما النمو غير النفطي، فمن المتوقع أن يسجل 1.8% في 2024، وأن يبلغ متوسطه 9% بين عامي 2025 و2026، في ظل تحسن مستويات الاستهلاك.

ويواجه الاقتصاد الليبي معادلة صعبة، إذ رغم التوقعات بتحقيق فوائض مالية بنسبة 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي، وتحقيق رصيد خارجي إيجابي بنسبة 4.1%، إلا أن استمرار انخفاض الإنفاق العام والمستوردات يضع البلاد أمام تحديات تتعلق بالقدرة على تنشيط القطاعات غير النفطية.

وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن ليبيا، رغم تصنيفها ضمن الشريحة العليا من الدول متوسطة الدخل، لا تزال بحاجة إلى إصلاحات جوهرية لتعزيز الأمن والاستقرار، وتحقيق التنمية المستدامة عبر تنويع مصادر الدخل، ودعم القطاع الخاص لتوليد فرص عمل عالية القيمة.

وتفرض التحولات الاقتصادية العالمية على ليبيا التكيف مع متطلبات استخدام الطاقة النظيفة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، مما يستدعي وضع استراتيجيات واضحة لحماية البنية التحتية، وتحقيق استقرار مالي طويل الأمد، كما أن تعزيز الحوكمة ومواجهة الفساد وتطوير بيئة استثمارية جاذبة تعد عوامل حاسمة لضمان تحول اقتصادي قادر على الصمود في وجه الأزمات الداخلية والتغيرات الخارجية.