الفوضى المالية في ليبيا: هل تضع الموازنة الموحدة حداً للانقسام؟

0
127
مصرف ليبيا المركزي
مصرف ليبيا المركزي

شهدت ليبيا خلال السنوات الخمس الماضية تقلبات حادة في موازناتها العامة، وهو ما يعكس حجم الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد في ظل الانقسام المؤسساتي وتضارب المصالح بين الأطراف السياسية. 

وترتب على هذا الانقسام تعطيل واضح للخطط الاقتصادية وإضعاف كبير للأداء المالي للدولة، مع تزايد الاعتماد على سياسات مالية غير شفافة وترتيبات مؤقتة لتجاوز الأزمات المتكررة.  

وكانت آخر موازنة اعتمدها مجلس النواب في يوليو 2024، بقيمة 180 مليار دينار، وهي الأعلى في تاريخ ليبيا، تتضمن جميع الإفراجات والرواتب المتأخرة للموظفين، وقالت الحكومة المكلفة من مجلس النواب إن الميزانية العامة للعام 2024 التي قدمتها واعتمدها مجلس النواب، موحدة لكامل التراب الليبي، وراعت جميع الملاحظات المطلوبة من جميع الأطراف.

بينما في عام 2023، أُقرت موازنة بقيمة 89.5 مليار دينار من قبل حكومة الوحدة الوطنية، إلا أنها لم تُنفذ بشكل كامل بسبب الخلافات المستمرة حول توزيع الإيرادات النفطية، لكن مجلس النواب اعتمد موازنة منفصلة بقيمة 89 مليار دينار لصالح الحكومة المكلفة، مما أدى إلى تعميق الانقسام المالي والإداري. 

وفي عام في 2022 غاب إقرار موازنة رسمية، مع استمرار الاعتماد على سياسات مالية تفتقر للشفافية، وهو ما أثار انتقادات حادة، خاصة مع تصاعد اتهامات الفساد وإهدار الموارد العامة طالت حكومة الوحدة، ما أدى إلى تدهور الخدمات الأساسية وزيادة معاناة المواطنين.   

وفي 2021، أُعلنت موازنة قياسية بلغت 80 مليار دينار ليبي (21 مليار دولار)، لكنها واجهت عراقيل سياسية أدت إلى عدم تنفيذها بالكامل، وتبادلت الأطراف السياسية الاتهامات حول توزيع الإيرادات النفطية، ما دفع الدولة إلى استخدام ترتيبات مالية مؤقتة زادت من تعقيد الوضع الاقتصادي، وفاقمت الاستياء الشعبي بسبب تراجع الخدمات وتصاعد الفوضى المالية، على الرغم من تأكيدات لبعثة الأمم المتحدة في فبراير من نفس العام، عن موافقة الأطراف الليبية على ميزانية موحدة لشهرين، دون أن تجد طريقاً للتنفيذ، قبل أن تعود تأكيدات أممية ليبية جديدة بأهمية أن تبرم في 2022.

وفي عام 2020، بدأت المؤشرات الاقتصادية تُظهر مدى تأثير النزاعات السياسية على الاقتصاد، حيث قُدرت الموازنة العامة بـ48 مليار دينار ليبي (34 مليار دولار أمريكي)، مع تركيز كبير على الرواتب والدعم الحكومي مقابل تخصيص محدود للتنمية. 

ومع تكرار إغلاقات الحقول النفطية، المصدر الأساسي للإيرادات، اضطرت الحكومة إلى الاقتراض الداخلي لتغطية العجز المالي، مما عكس هشاشة الوضع الاقتصادي. 

وعلى مدار سنوات من الفوضى الاقتصادية، تُظهر هذه التطورات أن الانقسام السياسي يشكل العائق الأكبر أمام تنفيذ سياسات مالية متماسكة، حيث يرى مراقبون أن استمرار النزاعات حول إدارة الموارد النفطية والإيرادات يزيد من هشاشة الاقتصاد الليبي، الذي يعتمد بشكل شبه كامل على النفط، ما يجعله عرضة للصدمات الناتجة عن إغلاق الحقول والنزاعات الجيوسياسية.  

ويرى مراقبون أن الحل يكمن في تحقيق توافق سياسي شامل يُفضي إلى تشكيل حكومة موحدة واعتماد ميزانية شاملة، بما يعزز وحدة المؤسسات المالية ويضمن توزيعاً عادلاً للإيرادات، إلى جانب وضع خطط تنموية طويلة الأمد تهدف إلى تنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد المفرط على النفط.

وفي ديسمبر الماضي، وبحسب بيان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، كثفت القائمة بأعمال رئيس البعثة، ستيفاني خوري، كثفت مشاوراتها مع الأطراف السياسية الليبية، والتقت رئيس مجلس النواب، المستشار عقيلة صالح، وأكدا أهمية وضع ميزانية موحدة للعام المقبل، من شأنها وضع سقف للإنفاق والحد من هدر الأموال العامة. 

وخلا الشهر نفسه، دعا صندوق النقد الدولي في توصيات جديدة، إلى ضرورة أن تتفق السلطات الليبية على أولويات الإنفاق من خلال ميزانية موحدة معتمدة لعام 2025، باعتبارها ستساعد على تجنب الإنفاق المؤيد للدورة الاقتصادية وتحسين إدارة موارد ليبيا.

ومنذ انقسام ليبيا بين حكومتين في 2016، تعثر الاتفاق على ميزانية موحدة معتمدة من الجانبين، وكانت العودة إلى تلك الموازنة مطلباً دولياً تكرر أكثر من مرة، كان بينها في أكتوبر الماضي بمطالبة مجلس الأمن الدولي بإعداد ميزانية موحدة لضمان استقرار النظام المالي الليبي.

كما أكد المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند، في أغسطس الماضي، الحاجة الضرورية إلى اتفاق قائم على التوافق بشأن موازنة موحدة بين الشرق والغرب؛ للحد من الإنفاق الحكومي والسماح بسياسة نقدية ومالية متماسكة.