44.4 مليار دينار سيولة خارج مصرف ليبيا المركزي.. ما الحل لضبط السوق؟

0
429
ناجي عيسى - محافظ مصرف ليبيا المركزي

شهد الاقتصاد الليبي خلال السنوات الأخيرة حالة من التدهور نتيجة لعدة عوامل سياسية وأمنية واقتصادية، ما أدى إلى بروز مشكلات هيكلية في النظام المالي. 

ومن أبرز هذه المشكلات تكدس كميات كبيرة من الأموال خارج المنظومة المصرفية، وهو ما يعكس فقدان الثقة بين المواطنين والمؤسسات المالية الرسمية، وهو ما ترتب على ذلك بقاء كتلة مالية هائلة خارج البنوك، وتزايد اعتماد الأفراد والشركات على السوق الموازية لتداول الأموال بعيداً عن الأنظمة الرسمية. 

وهذا الوضع دفع بعض المراقبين إلى طرح مقترحات متنوعة لمحاولة إعادة هذه الأموال إلى النظام المالي، ومن أبرز هذه المقترحات تغيير العملة الوطنية.

إلى جانب ذلك، يواجه المصرف المركزي تحديات كبيرة تتعلق بالسيولة وانخفاض الإقبال على التعامل مع المصارف الرسمية. وفي ظل غياب الثقة المتزايدة في قدرة المصارف على توفير السيولة، تتفاقم المشكلات المالية في ليبيا، خاصة مع تزايد الاعتماد على السوق السوداء. 

وحذر مراقبون من أن استمرار هذا الوضع سيعيق جهود الإصلاح الاقتصادي، وسيسهم في تعزيز الأنشطة غير المشروعة مثل غسيل الأموال، ما يخلق مزيدًا من التعقيدات أمام استقرار الاقتصاد الليبي على المدى الطويل.

وأشارت تقارير إلى تصاعد السيولة النقدية خارج النظام المصرفي الليبي، حيث وصلت إلى 44.4 مليار دينار حتى نهاية الربع الأول من العام الحالي، ما يعني عدم القدرة على السيطرة على السوق، وهو ما دفع متخصصون إلى الدعوة لتغيير الأوراق النقدية كحل لامتصاص هذه السيولة من السوق الموازية.

وشهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً في الأموال المتداولة خارج البنوك، حيث فضل الليبيون الاحتفاظ بأموالهم في منازلهم نتيجة لانعدام الثقة في قدرة البنوك على توفير السيولة، إضافة إلى الوضع الأمني المتدهور.

وتشير بيانات المصرف المركزي إلى الحاجة لآليات لاستعادة هذه الأموال إلى القنوات الرسمية، بينما يرى مراقبون متخصصون إلى تبني سياسة نقدية جديدة تتماشى مع ثقافة المجتمع الليبي، مشيرين إلى ضرورة استخدام أدوات مالية بديلة عن سعر الفائدة التقليدي، مثل: حسابات الاستثمار المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، لتحفيز المواطنين على إعادة أموالهم إلى البنوك.

كما تم اقتراح تغيير العملة كأحد الحلول، إلا أن المراقبين حذروا من صعوبة تطبيق هذا الحل في ظل الظروف السياسية والأمنية غير المستقرة، في ظل وجود مبالغ ضخمة من العملة الليبية تتداول على حدود ليبيا مع دول الجوار، ما يزيد من تعقيد الوضع.

وتناولت دراسة أجرتها منظمة “ذي سنتري” الأمريكية، وهي منظمة دولية غير حكومية المخاطر التي يشكلها اعتماد الاقتصاد الليبي على السوق الموازية، مشددة على ضرورة تحقيق تقدم في توحيد المصرف المركزي وإنشاء نظام مقاصة رقمي موحد. 

وأكدت الدراسة أن استمرار الاعتماد على السوق السوداء يعيق جهود مكافحة غسيل الأموال، موضحة أن غياب سيطرة الدولة أدى إلى انتشار السوق السوداء كمنصة لتحويل كميات كبيرة من العملة الليبية إلى دولارات، ما جعل من الصعب التمييز بين العمليات المشروعة وغير المشروعة، وساهم في تسهيل عمليات غسيل الأموال وتحويلها إلى الخارج.

ويؤدي غياب الحوكمة الفاعلة وافتقار الدولة إلى السيطرة على السوق، وأن تصبح السوق السوداء قناة رئيسية لتداول العملة الليبية، حيث يتم تحويل كميات كبيرة من الدينار إلى دولارات دون رقابة، وبطريقة آمنة لا تترك أثراً ورقياً. 

وتشير الدراسة إلى أن الآليات التي تتيح التحويلات غير المشروعة والإثراء الشخصي نمت بالتوازي مع توسع السوق السوداء خلال العقد الأخير، هذا التطور جعل من الصعب التمييز بين الأنشطة المالية المشروعة وغير المشروعة في ليبيا، مما سهل على الجهات غير القانونية غسل الأموال عن طريق إعادة تدويرها في حسابات مصرفية رسمية، ثم إرسالها إلى الخارج على هيئة دولارات.

وفي ظل هذا الواقع، يتعين على السلطات الليبية التركيز على استعادة الثقة في النظام المالي الرسمي، سواء من خلال إصلاحات تشريعية أو اتخاذ خطوات عملية على الأرض، فبدون هذه التدابير، سيستمر المواطنون في تجنب المصارف واللجوء إلى السوق الموازية، ما يفاقم من تدهور الاقتصاد الليبي ويعزز الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة.