في إحاطتها لمجلس الأمن الدولي.. خوري: الوضع السياسي في ليبيا “تدهور”

0
204

قدمت نائبة الممثل الخاص للشؤون السياسية، القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ستيفاني خوري، اليوم الثلاثاء، إحاطتها الدورية لمجلس الأمن عن الأوضاع في ليبيا.

وقال خوري، في إحاطتها “على مدار الشهرين الماضيين، تدهور الوضع في ليبيا بشكل متسارع من حيثُ الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني. إذ أدت الأفعال أحادية الجانب التي اتخذتها جهات سياسية وعسكرية وأمنية في ليبيا إلى زيادة التوتر، وترسيخ الانقسامات المؤسسية والسياسية، وتعقيد الجهود الرامية إلى التوصل إلى حل متفاوض بشأنه. واسمحوا لي هنا أن أشارككم بعض الوقائع المسجلة في الآونة الأخيرة”.

وأضافت أنه “في 9 أغسطس، قام الجيش الوطني الليبي بتحركات أحادية الجانب نحو الأجزاء الجنوبية الغربية من ليبيا، ما دفع القوات والتشكيلات في غرب البلاد إلى التعبئة وتأكيد جاهزيتها للرد على أي هجوم. وبينما أوضح الجيش الوطني الليبي لاحقًا أن هدفه من تحريك هذه القوات هو تأمين الحدود الجنوبية الغربية، فإن هذه الخطوة تسببت في توترات في الغرب وأثارت مخاوف لدى الجزائر، الدولة الجارة لليبيا. ولا يقتصر هذا النوع من التحركات الأمنية أحادية الجانب على تحركات القوات من شرق ليبيا وغربها فحسب، وإنما يمتد أيضا إلى ما بين القوات والمجموعات المسلحة في الغرب”.

وتابعت: “في 23 يوليو، تحركت القوات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية غربًا، ما تسبب في إعلان التعبئة من قبل الجيش الوطني الليبي وبين المجموعات المسلحة في تلك المنطقة”.

وذكرت أنه “في 9 أغسطس، اندلعت اشتباكات مسلحة عنيفة في تاجوراء، شرق طرابلس، بين مجموعتين مسلحتين، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين وتدمير الممتلكات. وقد نجحت جهود الوساطة المحلية في نزع فتيل التوتر”.

وأشارت ستيفاني خوري إلى أن الإجراءات أحادية الجانب من قبل شخصيات سياسية وأمنية تقوض هي الأخرى الاستقرار بطرق مختلقة.

وقالت إن المحاولات أحادية الجانب لإقالة محافظ مصرف ليبيا المركزي تقابل بمحاولات مضادة للإبقاء عليه في منصبه. كما تقابل محاولات إقالة رئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة وحكومته بمحاولات للإبقاء عليهما.

ولفتت إلى أنه “في 14 أغسطس تصاعدت حدة التوترات وحشدت المجموعات المسلحة عناصرها في سوق الجمعة بطرابلس، وذلك على خلفية تقارير عن سعي بعض المجموعات المسلحة الأخرى إلى السيطرة على المصرف المركزي. وقد تم تهدئة الموقف في الساعات الأولى من صباح يوم 15 أغسطس”.

وتحدثت عن انتخابات مجلس الدولة الاستشاري قائلة: “في 7 أغسطس، وإثر منافسة شديدة التقارب وبفارق يرجح ألا يتعدى صوتاً واحدا – بقيت نتائج التصويت على رئيس المجلس الأعلى للدولة محل نزاع، بينما تم تعليق التصويت على مقعدي نائب الرئيس ومُقرر المجلس. كما أن الصراع السياسي حول ما إذا كان ينبغي معارضة رئيس الوزراء وحكومة الوحدة الوطنية أو الإبقاء عليهما، ساهم بشكل كبير في حالة الجمود التي تعتري المجلس الأعلى للدولة”. داعية المجلس الأعلى للدولة على حل هذه القضية بسرعة لأنها تنطوي على مخاطر بتقويض وحدته وشرعيته بشكل أكبر.

وذكرت أنه في 13 أغسطس اجتمع بعض أعضاء مجلس النواب في بنغازي وصوتوا على إنهاء ولاية حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي ونقل دور القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى رئيس مجلس النواب. كما أيد هؤلاء النواب الحكومة المعينة في الشرق من قبل مجلس النواب باعتبارها السلطة التنفيذية الشرعية الوحيدة. ورفض القادة في غرب البلاد هذه الإجراءات.

وردًا على هذه الإجراءات أحادية الجانب وغيرها، جددت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا التأكيد لجميع القادة السياسيين والمؤسسات على التزاماتهم وتعهداتهم بموجب الاتفاق السياسي الليبي وتعديلاته، بما يتماشى مع جميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وخاصة القرار 2702 لسنة 2023.

وقالت خوري، إن الإجراءات أحادية الجانب المرتبطة بالمجال الاقتصادي تساهم بدورها في مشكلة انعدام الاستقرار. ففي أعقاب أشهر من الجهود الرامية إلى وضع ميزانية موحدة بمشاركة ممثلين من الشرق والغرب والجنوب، اعتمد مجلس النواب في 10 يوليو مخصصًا تكميليا للميزانية قدمته بشكل أحادي الحكومة المعينة من قبل مجلس النواب. وقد ندد القادة في الغرب بهذا الأمر. وعلاوة على ذلك، فإن الجهود الرامية إلى تغيير محافظ مصرف ليبيا المركزي لا تزال مستمرة. وقد أصدر المجلس الرئاسي خلال اليومين الماضيين قرارا يعلن فيه تغيير محافظ المصرف وتشكيل مجلس إدارة. ويتغذى هذا التوجه من التصور القائم بأن محافظ المصرف المركزي لا يتصرف بشفافية ولا حكامة منصفة للشرق والغرب.

وفي موضوع غير ذي صلة لكنه على جانب كبير من الأهمية، تم اتخاذ قرار أحادي الجانب بإغلاق حقل الشرارة النفطي، الذي يقع تحت سيطرة قوات الجيش الوطني الليبي، ما دفع المؤسسة الوطنية للنفط إلى إعلان القوة القاهرة في 7 أغسطس.

وتابعت: “في خضم كل هذا، عملت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، جنبًا إلى جنب مع الدول الأعضاء، بشكل حثيث على تهدئة الوضع. وخلال اتصالاتي مع القادة الرئيسيين وعبر تصريحاتي العامة، حثثت القادة الليبيين على الامتناع عن الإجراءات أحادية الجانب، والتي لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع. كما حثثت على الحوار والالتزام بعملية سياسية من أجل المضي قدمًا لما فيه مصلحة الشعب الليبي. وقد بعثت بنفس الرسائل في اجتماعاتي الثنائية مع أصحاب المصلحة الليبيين.

وكخطوة أولى، تعمل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على تيسير خفض التصعيد بشكل عام، وتقترح إجراء محادثات لوضع مجموعة من تدابير بناء الثقة بين جميع الأطراف لإنهاء الإجراءات أحادية الجانب وخلق بيئة أكثر ملاءمة لاستئناف العملية السياسية. ويهدف هذا النوع من التدابير، من بين أمور أخرى يرمي إليها، إلى إنهاء الإجراءات أحادية الجانب، والالتزام بهذا القرار، واستعادة الثقة في المصرف المركزي، وضمان تنسيق تحركات الجهات العسكرية والأمنية لمنع التعبئة من قبل الأطراف المقابلة وتهدئة مخاوفها.

وقالت “إن المضي قدمًا في عملية سياسية ناجحة سيتطلب جهودًا صادقة من جانب القادة والجهات السياسية والأمنية الفاعلة، ويستوجب مشاركةً طيف أوسع من الليبيين، ومقاربةً منسقة لدعم المحادثات الليبية من قبل المجتمع الدولي. إن دعم المجتمع الدولي للجهود التي تقودها ليبيا أمر لا غنى عنه. وسأواصل العمل لتحقيق هذا الأمر من خلال إشراك أعضاء المجتمع الدبلوماسي في ليبيا، وتنسيق المواقف معهم، وفي العواصم الخارجية استعدادًا لإطلاق المسار الموازي من المحادثات السياسية. وكنت بدأت في الشهر الماضي، جولة على بعض العواصم الإقليمية، لمناقشة مقاربةٍ منسقة لدعم الجهود الليبية والأمم المتحدة. وقد أعرب لي من التقيتهم عن التزامهم بدعم بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في إعدادها لأسس إطلاق هذه المحادثات السياسية الموسعة.

وإلى جانب عقد محادثات سياسية بشأن تشكيل حكومة موحدة وإجراء الانتخابات بما يتماشى مع القوانين الليبية الحالية، ستواصل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تفعيل مجموعات العمل الاقتصادية والأمنية وتلك المعنية بالقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان. إن هذه القضايا حاسمة وتحتاج إلى تحقيق تقدم فيها بالموازاة مع المحادثات السياسية ومع الانتخابات. كما ستعمل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مع المجلس الرئاسي وشركائنا في الاتحاد الأفريقي لإعادة تفعيل عملية المصالحة الوطنية وعقد المؤتمر تحت رعاية المجلس الرئاسي في بحر هذا العام.

في ظل هذا السياق المعقد، يحاول عامة المواطنين الليبيين المضي قدماً بما في ذلك من خلال العمليات الديمقراطية الشاملة. ونحن نشهد مشاركة حيوية من قبل الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمجتمع المدني والشخصيات المستقلة وغيرها من أجل تنسيق وطرح الأفكار البناءة بشكل استباقي من أجل صياغة العملية السياسية. وتواصل البعثة مشاركتها المكثفة مع الليبيين بما في ذلك الأحزاب السياسية والنساء والشباب والمكونات الثقافية واللغوية والأكاديميين لضمان أن يكون لهم رأي في مستقبل بلادهم.

وعلى صعيد إيجابي، فإن انتخابات المجالس المحلية تسير إلى الأمام. وتسهر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، بدعم من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، على اتخاذ التدابير اللازمة. فقد اكتمل تسجيل الناخبين في 60 مجلسًا انتهت ولايتها أو من المقرر أن تنتهي بحلول نهاية عام 2024. كما سجل حوالي 210 ألف ليبي للتصويت. وفي 18 أغسطس/آب، بدأ توزيع بطاقات الناخبين وتسجيل المرشحين. ومن المتوقع أن تجري الانتخابات في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2024. ومن المؤسف أن نسبة المشاركة النسائية لا تزال منخفضة نسبيًا، حيث لا تشكل سوى 30 في المائة من الناخبين المسجلين. كما يساورني القلق من انخفاض مشاركة النساء كمترشحات.

إن زيادة عدد المقاعد المخصصة للنساء في انتخابات المجالس البلدية تشكل خطوة مهمة لزيادة تمثيل المرأة في الحكم المحلي؛ ومع ذلك، هناك حاجة إلى المزيد من التدابير الاستباقية حيث تواجه النساء العديد من العقبات، بما في ذلك الترهيب والعنف عبر الإنترنت والهجمات اللفظية وغيرها من العقبات التي تثنيهن عن التسجيل كمترشحات. إن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، بدعم من أسرة الأمم المتحدة في ليبيا، تساعد في تعزيز مشاركة المترشحات من خلال وسائل شتى. كما تنادي النساء الليبيات بإنشاء لجنة وطنية تمثل النساء في جميع أنحاء ليبيا، لتطوير استراتيجية تدعم تمكين المرأة في جميع القطاعات، وأحث السلطات المعنية على تسهيل هذا الأمر.

بالانتقال جنوبا، تُحافظ المنظمات المتطرفة على وجود لها في ليبيا من خلال الاستفادة من علاقاتها بالجريمة المنظمة المحلية والعابرة للحدود. إن الارتباط المتزايد بين الجريمة المنظمة العابرة للحدود والمنظمات المتطرفة في ليبيا أمر مثير للقلق على نحو خاص. وقد وردت تقارير عن دخول الأسلحة إلى ليبيا، في انتهاك لقرار حظر الأسلحة.

وفيما يتعلق بحقوق الإنسان واحترام سيادة القانون، فإن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تعمل مع كافة الأطراف المعنية في عموم ليبيا، ومع الجهات الحكومية والمجتمع المدني، لتقديم المساعدة الفنية لتعزيز القدرات الوطنية من أجل احترام وتعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون. وفي هذا الصدد، قمنا مؤخرًا بتعزيز التعاون مع الجيش الوطني الليبي وإعادة إحياء برامج بناء القدرات.

وأرحب بالإفراج مؤخرًا عن بعض الأفراد الذين تم اعتقالهم تعسفيًا في الغرب والشرق، بما في ذلك بعض الأطفال. وتعمل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مع الجيش الوطني الليبي لمراجعة حالات الأفراد الذين ما زالوا محتجزين تعسفياً.

ومع ذلك، فإن التحديات جمة. ولا تزال التقارير تشير إلى استمرار القيود المفروضة على الفضاء المدني، واستمرار الاعتقالات التعسفية، بما في ذلك اعتقال النساء والأطفال، والاختطاف، والاختفاء القسري، والتعذيب، والوفيات أثناء الاحتجاز، و”الاعترافات” القسرية، في جميع أنحاء ليبيا. وستواصل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الدعوة إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين تعسفيا، وإجراء تحقيقات شفافة ومستقلة في مثل هذه الحالات.

فيما يتعلق بالتطورات الإنسانية، في 16 أغسطس/آب، حدثت فيضانات في جنوب غرب ليبيا، وفي غات على وجه الخصوص، ما أدى إلى نزوح ما يقدر بنحو 5800 شخص. وبالتنسيق مع الحكومة، أرسل فريق الأمم المتحدة في ليبيا إمدادات إنسانية ويواصل القيام بذلك.

منذ اندلاع القتال في السودان في 2023، ارتفع عدد اللاجئين السودانيين في ليبيا إلى 97000 حتى 11 أغسطس/آب. ووصل معظمهم إلى الكفرة حيث يواجهون ظروف قاسية. إن الوصول الكامل إلى اللاجئين أمر ضروري لتوفير المساعدة الإنسانية الفعّالة والمتزايدة بالتنسيق مع السلطات المحلية. ولا تزال خطة الاستجابة للأمم المتحدة للاجئين السودانيين في ليبيا ممولةً بنسبة 21 في المائة فقط.

في الختام، إن الوضع القائم غير مستدام. وفي غياب استئناف محادثات سياسية تفضي إلى تشكيل حكومة موحدة وتنظيم الانتخابات، فإن الوضع يتجه – كما لا يخفى عليكم – إلى مزيد من عدم الاستقرار السياسي والمالي والأمني ، وإلى تكريس الانقسامات السياسية والمناطقية، وإلى الرفع من حالة عدم الاستقرار المحلي والإقليمي.

إن الليبيين محبطون من الوضع القائم والثمن الذي يفرضه على حياتهم اليومية. يكافح المواطنون لسحب الأموال من البنوك وتلبية احتياجاتهم اليومية. ولا يتوانون عن التعبير عن تخوفهم من اندلاع الحرب مرة أخرى أو من الاشتباكات بين الجماعات شديدة التسليح. كما أنهم يصرحون بتخوفهم من التعبير الحر عن آرائهم دون تهديدات. ولا يرى الشباب مستقبلاً، إلا محاولة المغادرة. وهذا أمر غير مقبول.

تركز بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الآن مساعيها الحميدة على النقاط التالية: أولا، المساعدة في تهدئة التوترات; ثانيا، الحفاظ على الاستقرار وتعزيز تدابير بناء الثقة بين أصحاب المصلحة الرئيسيين; وثالثا، التحضير لعقد محادثات سياسية بقيادة ليبية. إن تعزيز العملية السياسية، مع الحفاظ على الاستقرار، يشكل أولوية رئيسية لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. وأنا أعتمد على دعمكم للمضي قدمًا في هذا المسعى.