في 5 يوليو 2017، كان الليبيون على موعد مع انتصار كبير أعاد لمدينة بنغازي العصية كرامتها، كنتاج لعملية عسكرية أطلقها الجيش الليبي في مايو 2014 “عملية الكرامة”.
تظل ذكرى تلك المعركة في وجدان الليبيين، والذين يحتفلون كل عام بتحرير المدينة من قبل الإرهابيين، الذين تمترسوا بداخلها لسنوات عدة، منذ أحداث 17 فبراير 2011.
ويومها قال القائد العام للقوات المسلحة الليبية المشير خليفة حفتر: “تزف إليك اليوم قواتك المسلحة بشرى تحرير مدينة بنغازي من الإرهاب، تحريرا كاملا غير منقوص، وتعلن انتصار جيشك الوطني في معركة الكرامة ضد الإرهاب، نصرا مؤزرا من عند الله عز وجل، لتدخل بنغازي ابتداء من اليوم عهدا جديدا من الأمن والسلام والتصالح والوئام والبناء والعمار والعودة إلى الديار، بعد أن كسرنا قيود القهر والذل وحواجز الخوف والرعب التي سعى الإرهاب إلى بنائها في نفوسنا، لتحل محلها مشاعر الطمأنينة والسرور والأمل والثقة بالنفس، ونرسم معا بإرادتنا الحرة طريقنا نحو المستقبل”.
المعركة كانت شرسة للغاية وقدم خلالها الجيش الليبي مئات من الشهداء والجرحى، حيث نشبت في أكتوبر 2014، مع مقاتلي مجلس شورى ثوار بنغازي، بدعم من غرفة عمليات ميليشيات ثوار ليبيا ودرع ليبيا، كنتيجة مباشرة لخسارة قوات “ثوار بنغازي” وحلفائها في هجومهم على مطار بنينا، مما سمح لقوات الجيش الوطني الليبي من تنظيم صفوفهم والهجوم في عمق بنغازي.
وبدأت أولى العمليات العسكرية الجمعة 16 مايو 2014، بهجوم قوات الجيش مدعومة بالسلاح الجوي على مقار الميليشيات في معسكر “كتيبة 17 فبراير”، وكتيبة “درع ليبيا 1” وتنظيم أنصار الشريعة، قبل أن تمتد رقعة المواجهة إلى منطقة جنوب غرب بنغازي، وتحديداً البوابة الجنوبية الغربية للمدينة التي كانت تحت سيطرة التنظيم.
المعركة مرت بمجموعة من المراحل، فبحلول مايو 2016، كانت قوات الجيش قد سيطرت على نحو 90 % من المدينة، بما في ذلك ضاحية أنصار الشريعة الرئيسية في حي الليثي، وجامعة بنغازي ومصنع الأسمنت، لتدخل المعركة مرحلة جديدة بتشكل تحالف “سرايا الدفاع عن بنغازي” في يونيو 2016 لدعم مقاتلي مجلس الشورى.
مرتعاً للمتطرفين
كانت مدينة بنغازي مرتعاً للمتطرفين والمتشددين الموالين لتنظيم القاعدة الإرهابي وغيرها، ففيها كانت كتيبة شهداء ليبيا الحرة، والتي أسسها وسام بن حميد، وميليشيات “درع ليبيا 1” ، والتي نفذت الحاث الإجرامي “السبت الأسود”، والذي راح ضحيته العشرات من أبناء المدينة في الثامن من يونيو 2013.
مثل وسام بن حميد محطة في تاريخ العمل المسلح في بنغازي، فمع انطلاق عملية الكرامة من قبل الجيش الليبي في مايو 2014 ضد الجماعات والمليشيات الإرهابية، واجهتها مجموعات ومليشيات إسلامية شكل هو ومتطرفون تحالف مجلس شورى ثوار بنغازي، وتولى منصب القائد العام.
النفوذ القطري
واهتمت قطر ببنغازي اهتماماً خاصاً، حيث مولت التشكيلات المسلحة والميليشيات لمحاربة الجيش الليبي ومنع قيام أي قوات نظامية، وهو ما يوضح طول مدة المعركة التي استمرت لـ 3 سنوات.
وكشف ذلك عمليات التطهير التي نفذتها قوات الجيش بعد تحرير المدينة، ففي مواقع تنظيم القاعدة بحي اخريبيش، تم العثور على أدلة تؤكد دعم نظام الدوحة للجماعات الإرهابية، منها صناديق للأسلحة والذخيرة، ووثائق مكتوبة، وأجهزة اتصال تحمل أرقاماً قطرية وأخرى تابعة لقيادات إرهابية تابعة للجماعة المقاتلة التي يتزعمها الإرهابي عبد الحكيم بالحاج.
كما تم العثور كذلك على صناديق تحمل شعار الهلال الأحمر القطري لتهريب الأسلحة، وأيضاً العثور على هويات 14 قطرياً، كانوا يديرون المعارك ضد الجيش الليبي، انطلاقاً من الدوحة عبر منظومة اتصال تربطهم بقيادات الجماعة الإرهابية وخاصة ما يسمى بمجلس شورى ثوار بنغازي.
عودة الحياة
ومنذ إعلان الجيش الليبي تحرير المدينة، دب الاستقرار في مفاصلها وبات سكانها ينعمون بالأمن، وبدأت المدينة العصية في العودة مجددا لبناء مؤسساتها وإعمار البنى التحتية، التي دمرتها الجماعات الإرهابية والمتطرفة، وهو ما تفعله الحكومة الليبية في الوقت الحالي.
ودشنت الحكومة مشاريع تنموية متنوعة بشكل منفصل في بنغازي، ساعدت بدورها في عودة الحياة الاقتصادية إلى المدينة التي تأذت من الإرهاب والتطرف خصوصا في هذا الجانب.
وافتتح رجال الأعمال شركات وأسواق تجارية ساهمت في إحياء بنغازي وإنعاش اقتصادها وتوفير فرص عمل لمئات الشباب، والعامل الأساسي في ذلك عودة الأمن والاستقرار إلى مدينة بنغازي بفضل تضحيات شبابها وأهلها.
وباتت المدينة بفضل أمانها واستقرارها منطقة جلب للاستثمار الليبي وإقامة مشاريعهم الضخمة وهو ما يعد دافعاً من أجل عودة الشركات الأجنبية إلى البلاد وجذب المستثمر الأجنبي إلى السوق الليبي مجددا.
وفي مارس الماضي، أصدرت الحكومة الليبية برئاسة عبدالله الثني، قررا يقضي باعتماد مدينة بنغازي مقرا رئيسيا لعمل الحكومة، ويعكس هذا القرار الحالة الأمنية المستقرة التي تعيشها المدينة بعد الإرهاب.