تفجيرات واغتيالات وذبح وحرق وخطف، ذلك هو المشهد قبل 10 سنوات في عروس البحر المتوسط، مدينة بنغازي الليبية، بعد أن حولها الإرهابيون إلى مقرا لهم ونقطة للانطلاق إلى مدن وربما بلدان أخرى.
ووسط هذا المشهد المُظلم والرؤية الضبابية، كان لابد على أبناء الوطن المخلصين أن يهبوا من أجل نُصرة وطنهم، واستنقاذه من براثن الإرهاب الأسود، فخرج الجيش الوطني الليبي بأبناءه مُتردين أكفانهم وحاملين أرواحهم فداءا لوطنهم، فانطلقت عملية الكرامة، أحد أكبر العمليات العسكرية للتخلص من الإرهابيين وأصحاب الفكر الأسود.
كشر الجيش الوطني الليبي عن أنيابه، فأذاق الإرهابيين بأس أبناء ليبيا الحقيقيين، ففي صباح يوم الجمعة الموافق 16 مايو 2014 بمدينة بنغازي، أعطى القائد العام للجيش الليبي، المشير خليفة حفتر، الضوء الأخضر لرجال الجيش، وأمرهم باستعادة ليبيا من تلك الميليشيات والمرتزقة.
ويعد انطلاق عملية الكرامة، بمثابة مرحلة جديدة وفصل مختلف في تاريخ ليبيا، كان شاهدا على صمود الشعب في وجه الإرهاب، خاصة بعد سلسلة الاغتيالات التي طالت النشطاء الإعلاميين والسياسيين والحقوقيين ورجال المؤسسة العسكرية والشرطة.
فقبل انطلاق عملية الكرامة، كان لبنغازي على وجه التحديد، نصيب الأسد في التفجيرات والاغتيالات والذبح والحرق والسطو والخطف، فضلا عن العمليات الانتحارية الإرهابية التي أودت بحياة العشرات من المدنيين الأبرياء، فتحولت حياة الشعب إلى جحيم على أيادي هؤلاء.
8 يونيو 2013، كان يوما فاصلا في تلك الفترة وكان تمهيدا لانطلاق عملية الكرامة، فقد وقعت إحدى أكبر الحوادث الأليمة في تاريخ ليبيا “السبت الأسود”، حينما استهدفت ميليشيات درع ليبيا في بودزيرة حشود المتظاهرين، الذين خرجوا ليطالبوهم بمغادرة المدينة وترك مقرها وتسليمها للقوات الخاصة.
رفض الإرهابي وسام بن حميد مطالب المتظاهرين، وأمر رجاله بإطلاق وابل من الرصاص ضد المتظاهرين السلميين، ما أدى إلى سقوط نحو 40 قتيلاً و154 جريحاً.
أما عن كواليس عملية الكرامة، فقد تركزت العمليات العسكرية بداية في مدينة بنغازي، تلتها مدينة درنة التي اختطفها الإرهابيين لسنوات معدودة، سجل خلالها الجيش الوطني مواقف خالدة في ذاكرة الليبيين، والانصياع للشعب الليبي.
وانتهت العملية العسكرية بتطهير الشرق الليبي والمنطقة الجنوبية، وتأسيس مؤسسة الجيش الوطني وإعادة تفعيل الأجهزة الأمنية التي أنهت حالة الفوضى التي شهدتها العديد من مدن عقب ثورة فبراير، والقضاء على تحالفات الجماعات الإرهابية وعلى رأسها مجلسي شورى ثوار بنغازي ومجاهدي درنة واللذين ضما مقاتلي داعش والقاعدة وأنصار الشريعة ودرع ليبيا وغيرهم.
تمكنت القوات المسلحة العربية الليبية، من خلال عملية الكرامة، من تحرير مدينة بنغازي، في 5 يوليو 2017، والذي صار تاريخاً يحتفل فيه الليبيون بتحرير المدينة من قبل الإرهابيين، الذين تمترسوا بداخلها لسنوات عدة، منذ أحداث 17 فبراير 2011.
وقال القائد العام للقوات المسلحة الليبية المشير خليفة حفتر، في بشرى تحرير الشرق الليبي من أيادي الإرهاب: “تزف إليك اليوم قواتك المسلحة بشرى تحرير مدينة بنغازي من الإرهاب، تحريراً كاملاً غير منقوص، وتعلن انتصار جيشك الوطني في معركة الكرامة ضد الإرهاب، نصراً مؤزراً من عند الله عز وجل، لتدخل بنغازي ابتداء من اليوم عهداً جديداً من الأمن والسلام والتصالح والوئام والبناء والعمار والعودة إلى الديار، بعد أن كسرنا قيود القهر والذل وحواجز الخوف والرعب التي سعى الإرهاب إلى بنائها في نفوسنا، لتحل محلها مشاعر الطمأنينة والسرور والأمل والثقة بالنفس، ونرسم معاً بإرادتنا الحرة طريقنا نحو المستقبل”.
وأضاف: “المعركة كانت شرسة للغاية وقدم خلالها الجيش الليبي مئات من الشهداء والجرحى، حيث نشبت في أكتوبر 2014، مع مقاتلي مجلس شورى ثوار بنغازي، بدعم من غرفة عمليات ميليشيات ثوار ليبيا ودرع ليبيا، كنتيجة مباشرة لخسارة قوات ثوار بنغازي وحلفائها في هجومهم على مطار بنينا، مما سمح لقوات الجيش الوطني الليبي من تنظيم صفوفهم والهجوم في عمق بنغازي”.