كعادتها جماعة الإخوان المسلمين، تتلون بلون الأوضاع والأحداث وحتى الحكومات، وفي ليبيا على وجه التحديد، الأمر أصبح مختلفا، فهي ملاذهم الأخير وحصنهم الوحيد، بعدما لفظتهم العديد من البلدان في المنطقة وعلى رأسهم مصر وتونس.
تسلقت جماعة الإخوان المسلمين على السلطة منذ اندلاع أحداث 2011 في ليبيا، ومنذ ذلك الحين، وهم يتمسكون بهذا الملاذ، ووجدوا في غرب ليبيا البيئة المناسبة، خاصة مع تنامي الجماعات الإسلامية المتطرفة والمسلحة، فكانوا لهم حلفاء وحماة، والجدار الذي يستترون خلفه ليمارسون السياسة المتطرفة.
جماعة الإخوان التي تقدم مصالحها على الجميع، حتى الوطن، تحالفت مع الحكومات المتعاقبة على غرب ليبيا، اتخذت موقفا معاديا من مجلس النواب الليبي، بعدما رفضهم الشعب، وأقصاهم من البرلمان، فكان وجودهم قائما على الخلافات والانهيارات والأزمات التي أرهقت البلاد والعباد.
أما عام 2023، فكان عام التلون الأكبر لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، تمكنوا بخبرة سنوات من التحالفات المشبوهة، من الوصول لاتفاق مع حكومة الوحدة الوطنية التي تسيطر على غرب ليبيا، يضمن بقائهم فترة أطول بالواجهة، ويثبت وجودهم في الساحة السياسية بشكل أو بآخر.
تسيطر جماعة الإخوان على مجلس الدولة الاستشاري، واستمرت في السيطرة عليه، بإقامة تحالف قوي مع حكومة دبيبة المتمسكة بالسلطة، والتي وجدت في تلك الجماعة، الحليف الأفضل، بعدما تلاقت مصالحهما معا، تحت حماية الميليشيات والجماعات المسلحة، التي تحصل بين الحين والآخر على مكافآت نظير خدماتها للطرفين.
تفاصيل الاتفاق بدأت بخلاف نشب بين رئيس مجلس الدولة الاستشاري السابق، خالد المشري، وبين رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد دبيبة، وعلى الرغم من كون المشري إخوانيا عتيدا، إلا أن مصالحهما لم تتلاقى، مما جعل دبيبة يتحرك للإطاحة به من رئاسة المجلس الاستشاري.
وبالفعل، حرك دبيبة كتلته وحلفائه من أعضاء المجلس، خلال الانتخابات الأخيرة، وانتهى التصويت لصالح محمد تكالة، وتم إعلانه رئيسا جديدا، وكان الهدف من هذا التحرك، هو محاولة من دبيبة من أجل البقاء في السلطة، دون أن يكون هناك من يؤرق وجوده وسلطته في ليبيا.
وبالعودة إلى الوراء، حول أسباب الخلاف بين المشري ودبيبة، فنجد أن المشري طالب دبيبة بترك منصبه، بعدما رأى أن دوره انتهى، وكان هناك من بين الفاعلين بجماعة الإخوان يرون ما يراه المشري، إلا أن المؤيدين لتكالة المتحالف مع دبيبة، كان لهم رأي آخر.
ويسعى تكالة الإيحاء بأنه مدافع عن إجراء الانتخابات، وعن حق الشعب الليبي في اختيار من يتولى شؤون الحكم في البلاد.
ظهر ذلك جليا، خلال زيارة تكالة إلى واشنطن، عندما حاول إقناع المسؤولين الأميركيين بأنه لا حل سوى العودة إلى الحوار وفق مشروع مبادرة جديدة يطرحها المبعوث الأممي عبدالله باتيلي، وهو ما يدافع عنه الدبيبة الذي يجد في كل تأخير للاتفاق مساحة جديدة لتكريس سلطته.
ويستغل دبيبة الحلف الذي شكله مع تكالة، من أجل مجابهة مجلس النواب الليبي، برئاسة عقيلة صالح، من خلال استغلال صلاحيات مجلس الدولة الاستشاري، والتصدي لأي قرارات يصدرها البرلمان الليبي، في محاولة لتحصين نفسه من الشعب ومن ممثليه.