الفساد وارتفاع الأسعار والدولار.. اقتصاد ليبيا في عام 2023 يخنق الشعب

0
3747
ارتفاع الأسعار في ليبيا
ارتفاع الأسعار في ليبيا

وضع اقتصادي مزري ألقى بظلاله على الوضع الاجتماعي للشعب الليبي، عام مضى، وأوضاع المواطن مستمرة في التدني والانهيار، وفتراكمت الأوجاع على رؤوسهم.

فما سببته الميليشيات المسلحة في ليبيا، التي اعتمدت عليها الحكومات المتعاقبة التي سيطرت على المنطقة الغربية، كان تأثيره مؤلما، ليلقي ذلك بظلاله على الوضع الاقتصادي، فقد أدى الانهيار الأمني، إلى تفشي الفساد في كافة الأنحاء.

2023، كان عاما مليئا بالانهيارات الاقتصادية في ليبيا، وخاصة في ظل سيطرة حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية، التي أخفقت في تحقيق كافة أهدافها التي جاءت في الأساس من أجل تحقيقات، وأهمها إجراء الانتخابات وتحسين أوضاع الشعب الليبي من خلال إجراء تعديلات اقتصادية عاجلة، وحصلت تلك الحكومة على دعم من الجميع فور توليها السلطة.

الجهة الرقابية الأكبر في ليبيا، ديوان المحاسبة، والمسؤول عن فضح وقائع الفساد، جاء في تقريره للعام المنصرم العديد من التجاوزات، والتي تشمل اختلاس المال العام عن طريق عقود وهمية، والتوسع في إبرام عقود للتوريد.

كما تضمن التقرير، إنفاق الملايين على شراء السيارات، فضلاً عن إقامة أشخاص لا تربطهم علاقة وظيفية بديوان الحكومة في فنادق خارج البلاد.

التقرير تضمن أيضا التواطؤ مع خصوم الدولة في قضايا ومنازعات، من خلال القيام بتحرير مراسلات تعزز وضع الخصوم ضد الدولة الليبية، ومصالحها في القضايا المنظورة بالتحكيم الدولي، وهي جريمة تضع فاعلها في موضع الخيانة للوطن.

كشف أيضا عن إهدار المال العام عن طريق التوسع في إبرام عقود التوريد، أو الخدمات في غير احتياج حقيقي وبالتكليف المباشر، وتضييع الفرصة على الدولة في الحصول على أفضل المواصفات بأقل الأسعار.

كما تضمن مبالغة في عقود الإعاشة، وتذاكر السفر والإقامة لحد الرفاهية على حساب المال العام، فضلا عن الاستيلاء على المال العام عن طريق تسديد مرتبات وهمية بأرقام وطنية مزورة، واختلاس مبالغ مالية من باقي تحويلات علاج الجرحى والمرضى عبر السفارات بالخارج.

التقرير كشف أيضا موافقة رئيس حكومة الوحدة، عبد الحميد دبيبة، على شراء سيارات للوزراء ووكلاء الوزارات، وديوان رئاسة الوزراء بقيمة 40.5 مليون دينار.

كما جاء فيه، موافقة عبد الحميد دبيبة، على تمليك 27 سيارة حديثة لوزراء حكومته، عقب شرائها مباشرة بالمخالفة للتشريعات والقوانين، التي تنظم شراء واستعمال السيارات المملوكة للدولة. مبرزا أنه تمت تغطية شراء السيارات من مخصصات (التنمية) في الباب الثالث.

ديوان المحاسبة الليبي أيضا، كشف عن مظاهر الانحراف في ملف الوظيفة العامة، في ظل عدم تبني حكومة الوحدة الوطنية خطة لمعالجة التشوه في الوظيفة العامة.

وأشار تقرير الديوان السنوي للعام 2022، إلى استمرار التعيينات العشوائيات في عدد من الجهات الممولة من الدولة، وتفشي ظاهرة التسيب الإداري والمحاباة وانخفاض الإنتاجية.

وكشفت مستندات رسمية، أصدرها ديوان المحاسبة، وقائع فساد تورط فيها وزراء ومسؤولون، وتغول واسع في سرقة المال العام، بالإضافة لتهريب النقد الأجنبي والمعادن الثمينة.

فعلى سبيل المثال، تمكنت الأجهزة الأمنية بمطار معيتيقة الدولي في العاصمة طرابلس من إحباط عملية تهريب كبيرة قام بها رئيس طاقم الضيافة بشركة الخطوط الأفريقية قبل تهريبها إلى مصر.

بالإضافة إلى سلسلة البيانات التي أصدرتها النيابة العامة في ليبيا، حول وقائع فساد مالي لمسؤولين ليبيين، من بينها حبس مديرين عامين سابقين لمصرف الصحاري ومسؤول قسم الاعتمادات المستندية في المصرف، بعد إثبات تورطهما في تمكين 13 شركة من الانتفاع بنقد أجنبي يعادل 70 مليون دولار، في صورة اعتمادات مستندية لاستيراد بضائع وتم الإتجار بالأموال في السوق الموازية للعملة.

واستمرارا للانهيار الاقتصادي الكبير، المتسبب فيه العديد من الأزمات المتتابعة والفساد المستشري، ارتفع سعر الدولار الأمريكي أمام الدينار الليبي في السوق الموازية بشكل كبير خلال 2023، حيث وصل سعره إلى 6.18 دينار.

ففي شهر نوفمبر الماضي ووصل إلى 6.30 دينار، ثم هبط ليصل إلى 5.52، ثم صعد مرة أخرى ليصل إلى 5.85، وواصل الارتفاع ليصل إلى 6.18.

وتحولت حالات الطمئنة المستمرة التي تطلقها أبواق حكومة الوحدة الوطنية المنتهية الولاية في ليبيا، على مدار أشهر إلى كابوس يؤرق الشعب، خاصة مع الارتفاع المبالغ فيه بأسعار السلع الاستهلاكية والاحتياجات اليومية.

ارتفاع الأسعار كشف الفارق الكبير بين سعر العملات الأجنبية بشكل عام والدولار بشكل خاص في مصارف ليبيا، وبين سعره في السوق السوداء، حيث تم تثمينه بسعر أقل من قيمته الحقيقية وتم تثبيته لوقف زحف التضخم، الذي أثر بشكل مباشر على أسعار السلع بشكل شعر به المواطن.

وعن أسباب هذا التذبذب والارتفاع والهبوط المستمر في سعر الصرف، تحدث مصرفيون، عما وصفوه بمجموعة من التراكمات لمعالجات وقتية وضعها مصرف ليبيا المركزي خاصة بعد تغيير سعر الصرف.

ووفقا لما أكدوه، فإن مصرف ليبيا المركزي، عمد على توفير العملة الصعبة داخل البلاد، من خلال بطاقات الـ 10 آلاف، تلك البطاقات البنكية التي تصرف للمواطنين، وتجيز لهم شراء 10000 دولار في السنة من البنوك التجارية بالسعر الرسمي، وسحبها بالبطاقة خارج البلاد، وفي الغالب يتم إدخال أغلب هذه العملات إلى السوق الداخلي.

تلك الآلية التي اتبعها المصرف المركزي، جعل هذه العمليات يتولاها تجار السوق السوداء، الذين يدفعون عمولات لأصحاب البطاقات، مقابل استخدامها والاستفادة من الفرق بين السعرين الرسمي والموازي.

تحدث الخبراء أيضا عن وجود مضاربات يقوم بها تجار مع بعض مسؤولي المصرف المركزي والمصارف التجارية، وهنا يختفي تماما دور الحكومة الرقابي على تلك العملية، وبالتأكيد عدم مراقبة أو مراجعة المصرف المركزي في قرارته جعل هذا الأمر عاديا ويحدث بشكل طبيعي دون توقف.

انعكس ذلك بالتأكيد على أسعار السلع والأطعمة والأغذية، فمع بداية العام، ارتفعت أسعار الدواجن والبيض واللحوم التي وصل سعرها في بعض المناطق لـ 55 دينار للكيلو الواحد.

كما ارتفعت أسعار المنتجات الصيدلانية بشكل عام، وزادت تكلفة شراء أسطوانة غاز الطهي 25% من 20 ديناراً في نوفمبر إلى 25 ديناراً.

ويعد التضخم أحد أهم أسباب ارتفاع أسعار السلع، وهو الأمر الذي تعاني منه معظم دول العالم حالياً إلى جانب الحرب الروسية الأوكرانية.

كما تعتمد ليبيا بشكل شبه كلي على الخارج في توفير احتياجاتها الضرورية، حيث يستورد السوق الليبي 90٪ من السلع من خارج البلاد، إلى جانب انخفاض سعر الدينار الليبي أمام الدولار في الفترة الأخيرة.

وتعد المخصصات المالية التي تُنفق لنيل رضاء الجماعات المسلحة والميليشيات، أحد أسباب التراجع الكبير في الأوضاع الاقتصادية في ليبيا وتدني الخدمات وانعدامها في بعض المناطق، خاصة وأن تلك المخصصات، كان من المفترض أن تُنفق لتطوير الخدمات وإحداث التنمية المطلوبة

حيث كشف بيان مصرف ليبيا المركزي عن الإيرادات والإنفاق العام، والذي يغطي الفترة من الأول من يناير حتى 31 أغسطس عن إنفاق وزارة الدفاع بحكومة الوحدة والجهات التابعة لها 2.86 مليار دينار.

ويوضح البيان أن وزارة الدفاع التي يتولاها رئيس الحكومة عبد الحميد دبيبة أنفقت في الباب الأول الخاص بالرواتب 2.574 مليار دينار، وفي الباب الثاني الخاص 291 مليون دينار.

والملفت للنظر أن البيان أظهر إنفاق 46 مليون على جهاز البحوث التطبيقية وتطوير البحوث، و62 مليون دينار على جهاز التصنيع العسكري، وتساءل الليبيين أين أنفقت وزارة الدفاع هذه المبالغ في حين أن ليبيا لا تصنع أي أجهزة عسكرية وتستورد جميعها من الخارج.

ومن المعروف أن الأجهزة الأمنية والعسكرية بحكومة الوحدة، تتشكل من مجموعة من الميليشيات التي مَكنتها حكومة دبيبة من مجريات الأمور، حتى تتمكن من البقاء أكبر مدة ممكنة على رأس الحكم.