حكومة الوحدة تعيد “التسجيل العقاري” في ليبيا مجدداً: يفتح الباب أمام شرعنة المخالفات

0
652
عبد الحميد دبيبة
عبد الحميد دبيبة

حالة من الجدل تشهدها الساحة السياسية الليبية، إثر قرار رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد دبيبة، بتفعيل العمل العقاري جزئيًا بمصلحة التسجيل العقاري، في قرار مؤرخ في ديسمبر من العام الماضي.

وجاء ذلك بعد قرار رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي 778 لسنة 2022 القاضي بعدم استئناف العمل بقرار 102 لسنة 2011 الذي أصدره المجلس الوطني الانتقالي بشأن تنظيم وتحديد ضوابط العمل بمصلحة التسجيل العقاري وأملاك الدولة إلا بعد انتهاء المراحل الانتقالية.

ولم تعلق حكومة الوحدة، على حالة الجدل القائمة حول القرار، كونه يتعارض مع قرار المجلس الوطني الانتقالي السابق، بتعليق جميع التصرفات الناقلة للملكية لحين انتهاء المراحل الانتقالية. 

ويرى عضو مجلس النواب الليبي حسن الزرقاء، أن القرار ستكون له تداعيات خطيرة، وأنه سيتقدم ومجموعة من النواب بطلب لرئاسة البرلمان لتخصيص جلسة لمناقشته.

وأشار الزرقاء في تصريحات لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية، إلى أن هناك من قام في وقت سابق بتزوير عقود نقل ملكية لحسابه وآخرين، واستطاع في غياب الملاك الأصليين بفعل الهجرة والوفاة، إقامة الدعاوى القضائية، والحصول على أحكام نهائية تختص بتلك العقود. 

وأضاف أنه مع سماح قرار حكومة دبيبة بتسجيل الأحكام القضائية النهائية بمصلحة التسجيل العقاري سنكون أمام عملية شرعنة دائمة لا يجوز الطعن بها لعقود مزورة بالأساس، وبالطبع إضاعة حقوق الملاك الأصليين، مؤكدًا أن هذا القرار لا يراعي بأي حال واقع المجتمع الليبي بالسنوات العشر الأخيرة.

وأوضح أن هناك حالات كثيرة لم يكن بمقدور أصحاب الأملاك متابعة أوضاعها والتصدي لمحاولة الاستيلاء عليها بعقود تزوير أو وضع اليد بقوة السلاح، الذي يعرف الجميع مدى انتشاره وقوة سطوته بالبلاد، فهناك من أنصار النظام السابق الذين هاجروا وماتوا بالمنفى، وهاجر أغلب ورثتهم، وهناك من اضطرته الصراعات للنزوح من مدينة لأخرى، ولم يستطع ليومنا هذا العودة لمسقط رأسه.

ويرى الزرقاء أن التخوف الرئيسي ينصب على محاولات البعض الاستيلاء على أملاك الدولة، موضحاً: “للأسف قد يسهل هذا القرار لبعض صغار النفوس من المسؤولين بالأجهزة والوزارات المعنية بالأراضي والعقارات الاستيلاء على مساحات واسعة مملوكة للدولة خصوصاً أراضي الأوقاف، وتحديداً بالعاصمة طرابلس التي ترتفع الأسعار بها بشكل خيالي”.

وتأسس التسجيل العقاري في ليبيا سنة 1858 في العهد العثماني، وفي عام 1965 كان قانون التسجيل العقاري يصنف من ضمن أفضل 5 قوانين عقارية في العالم، بحسب خبراء في المجال.

 وطورت إيطاليا في عهد الحاكم العسكري “إيتالو بالبو” منظومة التسجيل العقاري وأصدرت قانون 48 لسنة 1913 تحت مسمى “تسجيل أملاك الميري واعتماد التسجيلات التركية؛ حيث وثقت واعتمدت التسجيلات التركية وعملت على تخطيط المدن وصنفت الأراضي حسب الملكيات للدولة أو لغيرها، سواء المراعي أو الزراعي أو التجاري.

واستمر العمل بقانون 48 إلى حين صدور قانون 1207 وكان ينفذ في ولايتي “برقة” و”طرابلس” حينها، ولم يشمل ولاية “فزان” كونها تحت الحكم الفرنسي، واستمر العمل به حتى بعد الاستقلال، وإلى غاية صدور قانون 1965 لتنظيم عمل التسجيل العقاري الذي اعتمده رئيس وزراء ليبيا في العهد الملكي عبد الحميد البكوش واستمر العمل به حتى عام 1972.

وبعد عام 1969 تعرض التسجيل العقاري لمجموعة من القوانين، مثل قانون 123 لسنة 1972 والخاص بالعقارات الزراعية تحت شعارات “الأرض ليست ملكاً لأحدً، ثم صدر قانون 88 لسنة 1975 بشأن الاستثمار وتأمين القروض، ثم قانون رقم 4 لسنة 1978 وهو ما يعرف بقانون “البيت لساكنه”.

والتجأ أصحاب العقارات حينها إلى المحاكم مقدمين دفوعاتهم بأن الملكية مقدسة ومصونة بحكم الدستور وبالفعل حكمت محكمة الشعب بأحكام لصالح الملّاك الأصليين، لكن منظومة القذافي المتمثلة في “اللجان الثورية” استطاعت إصدار قانون رقم 10 لتحصين قانون رقم 4 والذي ينص على عدم قبول الطعن في القانون أو استرداد ما صادره. ثم صدر القانون رقم 1 المعدل بالقانون رقم 5 بشأن ما سماه “أملاك الهاربين” وتم من خلاله الاستيلاء على أملاك المواطنين.

وأصبح في عهد القذافي من حق المواطن مسكن واحد لا يزيد عن 500 متر، إضافة إلى أن كل ما هو خارج المخطط يعد حق انتفاع، وهو ما بُني عليه التسجيل العقاري بعد قيام اللجان الثورية في نوفمبر من العام 1985 بحرق التسجيل العقاري والكتاب العقاري السابق والموجود منذ العهد العثماني؛ في واحدة من أكبر الكوارث التي حدثت في ليبيا، حيث سمح النظام ببقاء الحريق مستمرا لأيام حتى القضاء على كامل السجل.

وظل التسجيل العقاري من 1985 إلى 1988 على حاله، حيث أصدر مؤتمر الشعب العام، آنذاك، قانونين وهما 11 و 12 بشأن عمل التسجيل العقاري، وبدأت التسجيلات العقارية الجديدة وكتاب عقاري جديد وصار تحت مسمى السجل العقاري الاشتراكي، وهو مؤسس على منظومة اشتركية كاملة من حيث ملكية حق انتفاع والاكتفاء الذاتي وتعطى للملّاك شهادات عقارية جديدة ولا تسمح بزيادة أملاك داخل المدن.

وبعد عام 2000 بدأ نظام القذافي في إحداث بعض التغييرات إلا أنها اصطدمت بالسجل العقاري الجديد، ما اضطره إلى الاعتراف بخطئه وأنشأ لجنة لتعويض من صودرت أملاكهم أو أخذت بغير وجه حق، ولكن كل ذلك حدث دون أن تغيّر الدولة القانون رقم 4 الذي اغتصب أكثر من 80 ألف عقار في ليبيا، وفق إحصائيات رسمية.

وبعد 17 فبراير 2011، أصدر المجلس الوطني الانتقالي قانون رقم 102 لسنة 2011 بشأن تعليق العمل العقاري في كامل التراب اللليبي ويقتصر العمل على الإداري فقط، ثم جاء المؤتمر الوطني العام وأصدر قانون رقم 20 سنة 2015 بعد قيام البرلمان في المنطقة الشرقية، وبدأت بعض المحاكم بالعمل به كونه قانونا ساريا صدر عن سلطة تشريعية، وامتنعت بعض المحاكم عن العمل بالقانون لتبعية بعضها للبرلمان التي تعده هو الشرعي ومن حقه إصدار القوانين.

وفي سنة 2022 أصدرت حكومة الوحدة الوطنية المادة الأولى من القرار الذي يحمل الرقم (578) والتي تقضي بفتح السجل العقاري بما لا يمس القرار رقم (102) لسنة 2011م، الصادر عن المجلس الوطني الانتقالي، ويقتصر العمل على قبول وتسجيل صحائف الدعوى والأحكام القضائية النهائية، وتسجيل الحجوزات الإدارية على العقارات المسجلة، وعقود الإيجار وغيرها من الأعمال الإدارية، ومنح الشهائد والخرائط العقارية والشهادات الدالة على حالة العقار في السجلات العقارية.

كما ينص قرار حكومة الوحدة على منح الصور الضوئية من الأوراق والمستندات موضوع الملفات المصدقة وملفات الإيداع، وقبول عقود شطب الرهن ورفعه، وتنفيذ قرارات فسخ عقود أملاك الدولة، وتسجيل حق الإرث الشرعي للورثة، وتسجيل قرارات نزع الملكية للمنفعة العامة.