اغتيالات وتصفيات واختطافات.. هكذا كانت الحياة في أغلب المدن الليبية شرقي ليبيا بعد ثورة فبراير.
كتيبة أبوسليم كانت تسيطر على مدينة درنة ودرع ليبيا وكتيبة 17 فبراير وكتيبة راف الله السحاتي كانوا يسيطرون على ثاني أكبر المدن الليبية مدينة بنغازي.
تلاشت أحلام دولة الرفاهية والحياة المدنية سريعاً. فأصبح المواطن الليبي يعيش في خوف وهلع، نقاط تفتيش لتنظيم أنصار الشريعة في كل حدب وصوب، مفخخات وعبوات لاصقة جعلت من حياة الليبيين جحيماً.
جمعة إنقاذ بنغازي
في الـ21 من سبتمبر عام 2012، نظم عشرات الآلاف من الليبيين مظاهرة كبرى في مدينة بنغازي مطالبين “المؤتمر الوطني” الجهة التشريعية في ذلك الوقت بإصدار تشريعاً يجرم التشكيلات المسلحة، وسحب جميع الاختصاصات الممنوحة لها، وإخلاء جميع المباني التابعة للدولة والتي تتخذها هذه الجماعات مقرات لها، وأهمها، تفعيل دور الجيش والشرطة.
لم تتوقف جمعة إنقاذ ليبيا هنا، بل استمرت إلى أن وصل المتظاهرون إلى عقر دار الميليشيات المتطرفة في بنغازي ، احتجاجا على الجرائم التي ارتكبتها هذه الجماعات المتطرفة في حق أهالي المدينة.
الاغتيالات
تزايدت حدة الاغتيالات في عموم ليبيا وبالأخص في مدينة بنغازي، وكانت تلك الاغتيالات من بين الأسباب الرئيسية لإطلاق الجيش الوطني الليبي عملية الكرامة، ففي يوليو 2013 أصدرت هيومن رايتس ووتش تقرير أكدت فيه اغتيال 51 شخصيةً سياسية في أكبر موجة اغتيالات في مدينتي بنغازي ودرنة، مؤكدة أن السلطات الحكومية لم تلاحق أي شخص على هذه الجرائم، ولم تحتجز أي مشتبه به.
الأكثر ضجة من بين الاغتيالات التي شهدتها مدينة بنغازي كانت جريمة مقتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز، إثر هجوم نفذته جماعة أنصار الشريعة المتطرفة في 11 سبتمبر عام 2012 على القنصلية الأمريكية في بنغازي.
ليس هذا فحسب، كانت بنغازي شاهدة على واقعة اغتيال الحقوقية والمناضلة السياسية سلوى سعد بوقعيقيص، بعد نشرها صور ومعلومات على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك تشير فيها إلى غياب الأمن في المدينة وانتشار سطوة جماعة أنصار الشريعة والجماعات المتطرفة الأخرى، حيث اقتحمت مجموعة ملثمة منزلها وأوقعتها قتيلة بعد ساعات قليلة من إدلائها بصوتها في الانتخابات البرلمانية، وظل القاتل مجهولاً.
وفي 26 مايو 2014، كان الدور على الصحفي الليبي مفتاح بوزيد، الذي اغتيل برصاص مجهولين بمدينة بنغازي، بعد يوما واحدا من إجرائه حواراً تلفزيونيا استفاض خلاله في الهجوم على الجماعات المتطرفة والميليشيات المسلحة المنتشرة في ليبيا.
وفي 20 سبتمبر 2014، اغتالت جماعات متطرفة في مدينة بنغازي 13 شخصية عسكرية في مواقع مختلفة، وهو ما رد عليه طيران الجيش الوطني الليبي بشن غارات مكثفة على مواقع المسلحين في المدينة.
أبناء المؤسسة العسكرية كانوا أكثر المتضررين من حملة الاغتيالات التي طالت المئات منهم.
عملية الكرامة
يحاول الكثيرون تشويه “عملية الكرامة” ويصفونها بالعملية الانقلابية الذي يحاول من خلالها المشير خليفة حفتر الوصول إلى الحكم، ولكن الحقيقة هي أن مدينة بنغازي وقعت فريسة للجماعات المتطرفة كأنصار الشريعة وباتت قاب قوسين أو أدنى أن تكون ما يعرف ب”الإمارة الإسلامية”
قرر حينها اللواء خليفة حفتر ومعه عدد من الضباط إطلاق عملية الكرامة لتحري كامل التراب الليبي من الجماعات المتطرفة والمجموعات المسلحة الخارجة عن القانون.
التف أهالي مدينة بنغازي حول الجيش الليبي، ورأوا فيه “المنقذ” في وقت تجاهلت فيه السلطات التشريعية والتنفيذية في طرابلس ما يحدث في بنغازي.
لم يتجاهل المؤتمر الوطني ما يحدث في بنغازي فحسب، بل اصطف إلى جانب الإرهابيين ودعمهم بالأموال ومنحهم الشرعية.
بعد انطلاق عملية الكرامة ظهرت حقيقة من كانوا يطلقون على أنفسهم لقب “الثوار” فتحالف درع ليبيا ١ وكتيبة 17 فبراير وكتيبة راف الله السحاتي مع تنظيم أنصار الشريعة وشكلوا ما عرف ب”مجلس شورى ثوار بنغازي”.
وبعدها بأشهر قليلة أعلن تنظيم داعش عن دخوله المعركة ضد الجيش الليبي في مدينة بنغازي.
تحالف مجلس شورى ثوار بنغازي مع داعش في محاولة منهما التصدي للجيش الليبي وتلقوا الدعم من المؤتمر الوطني في طرابلس وحكومة الإنقاذ عبر الجرافات التي كانت تأتي من مدينة مصراته.
ولكن في يوليو من عام 2017أعلن المشير خليفة حفتر عن تحرير مدينة بنغازي من هذه الجماعات المتطرفة لتعود المدينة إلى أبناءها.
سيطرت كتيبة أبوسليم على مدينة درنة، روعوا الأهالي واغتالوا العسكريين وأثناء سيطرتهم على المدينة أعلن تنظيم داعش عن إنشاء أول إمارة في ليبيا.
وأمام مرأى ومسمع الجميع سمحت “أبوسليم” لداعش بقطع رؤوس المواطنين في ساحة مسجد الصحابة في درنة ولم يحركوا ساكناً.
كما قام داعش بقتل عائلة آل حرير وسط صمت كتيبة أبوسليم، ولكن السلام بين الجماعتين المتطرفتين لم يدم طويلاً. فاستهدف داعش عدد من قيادات كتيبة أبوسليم لأنهم رفضوا المبايعة، ومن هنا بدآت المعارك بين داعش والقاعدة في مدينة درنة.
بعد تحرير بنغازي توجهت الأنظار نحو مدينة درنة، وفي يونيو من عام 2018 وبعد اعتقال العديد من المتطرفين الأجانب من بينهم الإرهابي المصري هشام عشماوي أعلن الجيش الليبي تحرير مدينة درنة.
تنعم أغلب المدن الواقعة تحت سيطرة الجيش الليبي بالأمن والأمان ويسودها نوع من الاستقرار الذي غاب عن ليبيا بعد ثورة فبراير..
.
الميليشيات هَجرت أهالي تاورغاء
تعرض أهالي مدينة تاورغاء إلى أقصى مراحل الظلم، فبعد انتهاء ثورة فبراير، قامت ميليشيات مصراته بتهجير أهالى المدينة، وذلك في إطار عملية تصفية حسابات…
حصار الوزارات والمؤتمر الوطني
حاصرت الميليشيات المسلحة الوزارات والمؤسسات الحكومية، ففي عام 2013 حاصروا، دواوين وزارات الخارجية والعدل والداخلية والمالية، وتسبب ذلك في شلل تام، كما حاصروا مبنى المؤتمر الوطني العام، للضغط عليه لإصدار قانون العزل السياسي.
سرقة المليارات
بعد ثورة فبراير انتشر الفوضى في ربوع ليبيا وأكل القوي الضعيف وأصبح الميليشياوي هو صاحب القرار، وفي محاولة من المسؤولين إسكات الميليشيات بدأوا بصرف المكافآت، ولكنها كانت بداية النهاية.
شيئا فشيئا أدرك قادة الميليشيات أن لهم الكلمة العليا وبات ابتزاز المسؤولين شيئا طبيعياً.
غرغور
من غير السوي أن نقول بأن أهالي العاصمة الليبية ضد الجيش والشرطة، والمظاهرات التي خرجت ضد الميليشيات أكبر دليل على ذلك، ولكنهم في وضع حرج.
فعند مطالبتهم الميليشيات بالانسحاب من مقراتهم داخل المدينة كان الرد دامياً، وفي إحدى المظاهرات قامت إحدى الميليشيات بقتل أكثر من 55 مواطناً.
للجيش الليبي حاضنة في أغلب المدن والمناطق الليبية، ومن يدافع عن العاصمة الليبية اليوم ليسوا بأهل طرابلس، بل الميليشيات المستفيدة من الفوضى والجماعات الإسلامية التي تتخوف من وجود جيش قوي يحبط مخططاتها