لماذا يتظاهر الليبيون؟

0
142

شهدت مدن ليبية عدة احتجاجات واسعة انطلقت الجمعة الماضية، تطالب بإسقاط كل الأجسام والمؤسسات الحكومية ورحيل المرتزقة معبرة عن رفضها لسوء الوضع المعيشي والانقسام السياسي وعدم توافر الخدمات.

والسبت الماضي، تعهد نشطاء ليبيون، بمواصلة احتجاجاتهم حتى “تتنحى كل النخب الحاكمة عن السلطة”، مؤكدين أنهم سيصعدون حملتهم بنصب الخيام في ساحات المدن وإعلان العصيان المدني حتى تحقيق أهدافهم.

وشملت رقعة التظاهرات في ليبيا العاصمة طرابلس وعدد من المدن الرئيسية غرب وشرق وجنوب البلاد، فيما أضرم محتجون غاضبون النيران داخل مقر البرلمان الليبي بمدينة طبرق، بعد اقتحام بوابته الرئيسية.

ولاقت هذه الاحتجاجات ردود أفعال دولية واسعة، إذ دعت الأمم المتحدة إلى الهدوء مضيفة أن “الأوان قد حان للاستماع إلى مطالب الشباب الليبي”، كما عبرت الولايات المتحدة الأمريكية عن قلقها العميق بشأن الجمود السياسي والاقتصادي والمالي الذي أدى إلى مشاهد الاضطرابات في ليبيا.

وكان لهذه الاحتجاجات أسباب عدة، دفعت المتظاهرين إلى الخروج في الشوارع للتعبير عن رفضهم للمنظومة الحاكمة والسياسات التي تدار بها البلاد، رافعين الكثير من المطالب على رأسها حل أزمة الكهرباء وتحسين الوضع المعيشي.

أزمة الكهرباء

ولا يزال قطاع الكهرباء في ليبيا يعاني من الانقطاعات الطويلة والمتكررة في وقت تشهد البلاد موجة حر شديدة، حيث فشلت حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد دبيبة في وضع حد للأزمة، رغم الوعود المتعددة بحلها.

وتعهد دبيبة خلال ترشحه أمام ملتقى الحوار الليبي فبراير عام 2021، بحل أزمة الكهرباء في وقت لا يتخطى الـ 10 شهور، اليوم يمر أكثر من 18 شهرا منذ استلام السلطة والوضع يزداد سوءاً، في وقت يؤكد مراقبون أن السبب الرئيسي هو عدم الالتزام بصيانة المحطات وسرقة الأسلاك والتباطؤ في إنشاء محطات جديدة.

والأسبوع الماضي التقطت صورة لمواطن ليبي جالسا في الشارع بجانب مولد كهربائي لتشغيل جهاز الأكسجين لطفله المريض، أثارت الواقعة جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت الشرارة الأولى التي دفعت النشطاء إلى الدعوة لمظاهرات واحتجاجات عارمة للمطالبة بحل أزمة الكهرباء.

الانقسام السياسي

في فبراير 2021، اختار ملتقى الحوار السياسي الليبي تحت رعاية الأمم المتحدة سلطة تنفيذية جديدة مكونة من مجلس رئاسي وحكومة وحدة، مهامهما الإشراف على الانتخابات في ديسمبر الماضي، وكان يأمل الليبيون أن يجرى الاستحقاق إذ استلم أكثر من 2.5 مليون مواطن بطاقاتهم الانتخابية.

ومع فشل السلطة التنفيذية في إجراء الانتخابات ديسمبر الماضي، وانتهاء المدة القانونية الممنوحة لها 21 يونيو الماضي، بحسب خارطة الطريق المتفق عليها في جنيف، كان ينتظر أن تسلم حكومة الوحدة السلطة للحكومة الجديدة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا، وهو ما لم يحدث ما زاد من الانقسام السياسي في البلاد.

وحاولت حكومة باشاغا دخول العاصمة الليبية طرابلس أكثر من مرة، ولكنها فشلت الأمر الذي دفعها إلى اتخاذ مدينة سرت مقرا لها.

هذه الخلافات والانقسامات السياسية الشديدة دفعت الليبيون إلى المطالبة بإسقاط كل الأجسام السياسية، حيث سئم الشعب من المراحل المؤقتة، ويأمل في إنهاء الصراع بين المؤسسات والوصول إلى انتخابات ودستور دائم.

انتهاء الصلاحية ومرتبات بالملايين

رغم انتهاء صلاحية الكثير من المؤسسات الليبية، لكن العديد من المسؤولين لا يزال يتمسكون بمناصبهم ويرفضون التداول السلمي للسلطة.

مؤسسات أخرى تنتهي صلاحيتها تضاف لحكومة الوحدة والمجلس الرئاسي، على رأسها مجلس الدولة الاستشاري ( المؤتمر الوطني السابق ) الذي تنتهي صلاحيته في فبرايـر 2014.

كما تنتهي صلاحية مجلس النواب الليبي في أكتوبر 2015، والهيئة التأسيسية للدستور في مــارس 2016، ومجلـس إدارة المصرف المركزي في سبتمبـر 2016.

وتحصل هذه المؤسسات التي انتهت ولايتها على رواتب بالملايين، حيث كشف مصرف ليبيا المركزي عن نفقاتها خلال الخمسة أشهر الأولى من عام 2022، ضمن ميزانية حكومة الوحدة التي بلغت أكثر من 30 مليار دينار.

وصرف ما لا يقل عن 314 مليون دينار على ديوان مجلس الوزراء من 1 يناير إلى 31 مايو 2022 من ميزانية الدولة، كما وصلت نفقات المجلس الرئاسي 162 مليون دينار، ومجلس الدولة 24 مليون دينار، ومجلس النواب الليبي والجهات التابعة له 319 مليون دينار.

انعدام الخدمات وزيادة الفساد

ولا يقدم المسؤولين نظير هذه المرتبات الخدمات للشعب، إذا يعيش أغلب الليبيون في غلاء معيشة وارتفاع أسعار شديد ونقص في السلع الأساسية وعدم توافر للعلاج والدواء بالإضافة إلى انعدام الأمن والتعليم.

كما يعاني الليبيون من نقص السيولة حيث يصطف الآلاف في طوابير أمام المصارف للحصول على رواتبهم المتأخرة، بالإضافة إلى ذلك فهناك نقص كبير في محطات تزويد البنزين، حيث يحتاج المواطن إلى الوقوف بالساعات للحصول على وقود سيارته في بلد لديها ثروة هائلة من النفط.

كما يعاني المواطنون الليبيون من نقص الخبز، بسبب ارتفاع أسعار مكونات الخبز، الأمر الذي أثار أزمة كبيرة وحالة ازدحام وطوابير غير مسبوقة أمام المخابز.

حتى خدمات بطاقة الهوية والوثائق الرسمية لا تتوفر للمواطنين الليبيين، وتصطف طوابير طويلة أمام الجوازات والسجل المدني.

كل هذا النقص في الخدمات يتزامن مع فساد مستشري في كافة القطاعات، فلم يمر يوما واحدا دون أن تكشف الأجهزة الرقابية عن سرقات بالملايين من المال العام.