هكذا قُتل باشاغا في ليلة زاوية الدهماني الدامية في العاصمة طرابلس

0
353
إغلاق النفط أم فشل حكومة دبيبة.. ما سبب تفاقم أزمة الكهرباء في ليبيا؟
إغلاق النفط أم فشل حكومة دبيبة.. ما سبب تفاقم أزمة الكهرباء في ليبيا؟

بينما كانت زوجة الشاب العشريني من عمره، معاذ باشاغا، تنتظره في السيارة وهو يشتري عشاء من أحد مطاعم منطقة زاوية الدهماني، لم تكن تعلم أن الانتظار سيطول إلى الأبد بعد أن لقى باشاغا حتفه هارباً من بطش الاقتتال بين ميليشيات التي قلبت حياة الليبيين إلى جحيم.

باشاغا، وهو عريس جديد عقد قرانه في شهر يناير الماضي، كان هو وزوجته في زاوية الدهماني في وسط مدينة طرابلس يستمتعوا بوقتهم كأي عرسان جدد متأملين بحياة سعيدة، حتى بدأ تبادل إطلاق النار بين ميليشيا الردع وميليشيا الدعم والاستقرار على خلفية استفزاز بين مقاتلي الطرفين في زفاف أحمد دي الشهير بلقب باركور أحد أفراد ميليشيا الدعم والإستقرار وميليشيا غنيوات بقيادة عبد الغني الككلي.

معاذ باشاغا
معاذ باشاغا


المدعو باركور دي في العشرينات من عمره هو الآخر، ومن سكان منطقة فشلوم، كان زفافه في صالة مناسبات اجتماعية في المنطقة وشارك زفافه عدد من سيارات ميليشيا الغنيوات.


وبحسب مصدر أمني رفيع المستوى من وزارة الداخلية لصحيفة الشاهد الليبية بالهاتف، فإن أحداث ليلة زاوية الدهماني الدامية كان سببها استفزاز بين مسلحي الميليشيات الاثنين، مضيفاً أن كثيراً ما يكون الاقتتال بين أي ميليشيات هو سببه دوافع شخصية وثأر بين أفراد الميليشيات.


وقال المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، إن بعد وصول موكب زفاف المدعو باركور إلى صالة المناسبات، مصحوباً بمركبات ميليشيا اغنيوة، تزامن ذلك مع مرور ميليشيا الردع متجهة إلى وسط المدينة للبدء في عملهم في الاستيقافات الليلية.

 


“ومن هنا بدأ الأمر، أقام عدد من أهالي عرس المدعو باركور دي برمي عدد من زجاجات الماء البلاستيكية على موكب سيارات الردع ما اضطر الآخرين للتوقف ودخول في جدل انتهى بإطلاق النار دون مراعاة لأي ترتيبات أمنية للمحافظة على الأمن”.. هذا ما صرح به المصدر الأمني، متأسفاً على الفراغ الأمني التي تستغله الجماعات المسلحة لبسط سيطرتها في ظل وجود حكومة مسلوبة الإرادة.


ويقول: “نحن في وزارة الداخلية لا حول لنا ولا قوة لأن كل الحكومات التي تدخل إلى مبنى طريق السكة تفضل صرف المليارات إلى الميليشيات بدلاً من دعم رجال الداخلية، والنتيجة هي ضحايا من المدنيين والاشتباكات داخل المدن دون رادع”.

وفي بحث على موقع الفيسبوك عن اسم أحمد المبروك دي المعروف بإسم باركور، وجدت صحيفة الشاهد الليبية حساب المدعو باركور مليء بالصور سواء داخل مقرات تتبع ميليشيات أو أخرى مع بعض أفراد ميليشيات أخرى.


ونشر الباركور صورة أحد زملائه الجرحى من ميليشيا اغنيوة متأسفاً عليه حيث كتب العديد من أصدقائه تمنياتهم له بالشفاء، ولم يتسنى للباركور من نشر أي صورة ليحتفل مع أصدقائه بليلة زفافه إلا بعد خمسة أيام من الحادثة. وكتب أحدهم تعليق له مهنئاً له وطلب منه بالتوقف عن هكذا تصرفات بلغة مزاح الميليشيات.

 

  


ومنذ أن سقط نظام العقيد الراحل معمر القذافي في عام 2011، انزلقت ليبيا في فوضى عارمة بسبب انتشار السلاح وسيطرة الميليشيات ما تسبب في عزلة البلد العضو في الأوبك وتردي الأوضاع المعيشية.


وتُسيطر على العاصمة ما لا يقل عن خمسة ميليشيات مسلحة تُبسط كامل سيطرتها على كل مؤسسات الدولة السيادية. تستفيد هذه الجماعات من كل الحكومات المتسابقة حيث يمكنها ضعف هذه الحكومات من الوصول السهل إلى إيرادات الدولة المنتجة للنفط وتصل إلى مليارات شهرياً.


وتتحالف الآن هذه الميليشيات مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبد الحميد دبيبة الذي خرج ضمن محادثات برعاية الأمم المتحدة في جنيف، وبحسب تقارير من مصادر رفيعة المستوى، تحصلت ميليشيا الغنيوات على ما لا يقل عن مئة وخمسون مليون دينار ليبي.


وفي لقاء مع شاهد عيان من المنطقة لصحيفة الشاهد، دون أن يذكر اسمه خوفا من الانتقام ،قال أنه كان متواجد تلك الليلة بالقرب من الحادثة حيث كان يتناول العشاء مع أصدقاءه في أحد المطاعم وبدأ سماع إطلاق النار يزداد حدة.

وأضاف شاهد العيان للصحيفة: “كنت استمتع بوقتي مع أصدقائي وفجأة تغير الوضع في لمح البصر إلى كارثة، كان الجميع يجري في محاولة أن ينجو بحياتهم من إطلاق الرصاص العشوائي”.


وتابع: “حدثت فوضى لا يمكن وصفها ، النساء تجري ويبدو عليها الخوف، السيارات ترجع في الطريق المعاكس بسرعة هائلة لأن إطلاق النار كان جدا قوي”.

وقال إنه رأى عدد من الشباب يتجمعون حول شخص صدمته سيارة شرطة المرور حاول سائقها الفرار من إطلاق الرصاص، ليعرف بعدها أن العريس العشريني معاذ باشاغا هو من صدمته السيارة وتوفي هارباً من جرائم الميليشيات.


“رأينا زوجته وهي في حالة ذعر ولا أعلم ما الذي حدث بعدها لأنني نجوت بنفسي أنا الآخر”.. أضاف شاهد العيان متسائلاً: “متى سينتهي هذا الإنفلات الأمني حتى ينعم الليبيين بحياة أمنة؟”.


وبحسب تقارير طبية، إلى جانب مقتل باشاغا، قُتل فرد من ميليشيا اغنيوات وجرح آخرون ودخول أحدهم إلى العناية الفائقة. وبحسب مراسل صحيفة الشاهد، نتج عن الاقتتال بين الميليشيات أضرار مادية في المحلات بالقرب من صالات المناسبات من تكسير في زجاج واجهات المحلات والسيارات.


وقبل أسبوعين، اندلع قتال عنيف بين ميليشيات دعم الاستقرار والغنيوات، وميليشيا النواصي بالقرب جزيرة ومتنزه سوق الثلاثاء ليلاً، وتسبب في ذعر بين مئات المواطنين الهاربين من انقطاع الكهرباء لساعات طويلة ليجدوا أنفسهم بين رصاصات الميليشيات وصمت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة.


وميليشيا النواصي هي إحدى المجموعات المسلحة التي تسيطر على جزء كبير من جانب البحر من مدينة طرابلس أو طريق الشط، بالقرب من شركة “ليبيانا”، ومقابلة لقاعدة طرابلس البحرية التي يتخذ منها المجلس الرئاسي -الذي يحمل منصب القائد الأعلى للجيش- مقراً له.


وكالعادة، اكتفت وزارة الداخلية ببيان خجول تبرأت من تبعية الجماعات المسلحة المتورطة في حادثة تبادل إطلاق الرصاص ونسبتها إلى المجلس الرئاسي، مدعيةً أنه تم فتح تحقيق لمعرفة ملابسات الحادثة على الرغم من عدم نشر أي نتائج تحقيق في حوادث مشابهة سبقتها.


ويقول خبير أمني، ولنفس الأسباب خوفاً من الانتقام فضل عدم ذكر نفسه: “لا أحد يعرف تبعية هذه الميليشيات المسلحة، هي تتبع نفسها فقط. ولاءها يتغير بحسب الحالة السياسية والحكومة الجديدة. لا تؤمن بالدولة بل بقيادتها فقط”.

ويضيف: “على سبيل المثال، ميليشيا الردع لها توجهات سلفية متطرفة، تتحايل في قبول أي سلطة تنفيذية جديدة من باب مبدأ ولي الأمر، حتى تتمكن من تثبيت نفسها في مكانها، يقولون إنهم وزارة داخلية ويرتدون زي عسكري، يسيطرون على جزء من قاعدة عسكرية ونصفها الآخر مطار، يقومون باستيقاف أمني ليلا للتفتيش عن أوراق تسجيل السيارات”.


وقال الخبير: “هناك مجموعة تطلق على نفسها الأمن القضائي، ولديها ولاءات مع ميليشيا الردع، تجدهم ليلاً في بوابات أمنية للتفتيش عن الممنوعات والأوراق الثبوتية، على الرغم أن عملهم المناط بهم هو الجهات القضائية فقط ولكن للفوضى كلمة أخرى في ليبيا”.


ويقول أحد أعيان منطقة زاوية الدهماني، وهو في حسرة لكل هذه الأحداث التي تجري بين الحين والآخر، دون عقوبات توقف هذه الجماعات المسلحة: “في تلك الليلة زُف معاذ إلى السماء وهو ما زال عريس، كما زُف ذاك البلطجي ليكمل حياته في ميليشيا دون الإحساس بمشاعر الغير والفقد التي تعيشه عائلة وزوجة معاذ الآن”.