تمر ليبيا الآن بوقت عصيب، جعلها مرتعاً للتدخلات الخارجية، فالكل يتدخل في الشأن الليبي، دون محاسبة أو رقيب أو سؤال، حتى تجرأ سفراء الدول أنفسهم، على تجاوز صلاحياتهم المهنية والسياسية والدبلوماسية، وتحدثوا بلسان بلادهم.
وعلى رأس هؤلاء، كان السفير الأمريكي في ليبيا، ريتشارد نورلاند، الذي أكد أنه أجرى اتصالات في وقت متأخر من مساء أمس لرئيسي حكومة الوحدة والاستقرار، لإيقاف التصعيد وتهدئة الأوضاع في البلاد، ما أكد بما لا يدع مجالا للشك مدى تدخله في الشأن الليبي.
وأعلن نورلاند أنه أجرى اتصالين هاتفيين مع رئيس الوزراء المكلّف من قبل مجلس النواب، فتحي باشاغا، ورئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايتها، عبد الحميد دبيبة، بحث خلالهما الدخول في مفاوضات لإيجاد حل للخلاف السياسي حول رئاسة الحكومة.
وقال نورلاند، في تغريدة عبر حسابه على تويتر: “ضمن المشاورات الجارية مع جميع الأطراف، تحدثت الليلة مع رئيس الوزراء المكلّف من قبل مجلس النواب فتحي باشاغا وأشدت باستعداده لتهدئة التوترات اليوم والسعي لحل الخلاف السياسي الحالي من خلال المفاوضات وليس القوة”.
وأضاف: “لا يمكن الحفاظ على استقرار ليبيا ووحدتها إلا من خلال الحوار واحترام حق حرية التنقل في جميع أنحاء البلاد”.
وقال السفير الأمريكي في تغريدة أخرى: “في اتصال مع رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة الليلة، أعربت عن تقديري لالتزامه بحماية الأرواح وكذلك لاستعداده للدخول في مفاوضات لإيجاد حل سياسي”.
السفير الأمريكي لم يكن أول السفراء الذين انتهكوا السيادة الليبية بهذا الشكل، فقبل أسابيع أحدثت السفيرة البريطانية جدل بعد حديثها عن ضرورة استمرار السلطة التنفيذية برئاسة عبد الحميد دبيبة ورفضها أي تحركات من قبل مجلس النواب لتغيير السلطة القائمة.
الأمر لم يقف عند السفراء فمستشارة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا ستيفاني وليامز، هي الأخرى تدخل بشكل فج في الشأن الليبي، وهو ما ظهر مؤخرا في تجاهلها منح مجلس النواب الليبي الثقة للحكومة الليبية الجديدة برئاسة فتحي باشاغا.
وإعلانها مبادرة جديدة تعيد ليبيا إلى نقطة الصفر، عبر دعوتها مجلسي النواب والدولة لتشكيل لجنة مشتركة تعمل على صياغة القوانين اللازمة لإجراء الانتخابات الليبية.
مبادرة وليامز رآها مراقبون محاولة جديدة للهيمنة على القرار السياسي الليبي، وتحدي لإرادة الليبيين الذين اختاروا لأول مرة منذ أحداث فبراير عام 2011 حكومة ليبية دون إملاءات وتدخلات خارجية.
وحدد قانون العمل الدبلوماسي الدولي، مهام ومسؤوليات سفراء ومبعوثي الدول، وفق حقيبة دبلوماسية لا يخرج عنها، وإلا خرج عن سياق وظيفته.
ولكن الوضع في ليبيا غير ما أقرته قوانين العمل الدبلوماسي، فدائما ما يؤدي السفراء الغربيون مهاماً خارج حقيبتهم الدبلوماسية، وهو ما يعطي مؤشرا حول مزيد من التدخلات في الشأن الليبي.
ويمارس سفراء الدول الأجنبية أعمالا مشبوهة ويبرموا صفقات وتدخلات غير مقبولة في الشأن الليبي، بين عمل ميداني ولقاءات مسؤولين بحكومات المتتالية ومسؤولي مصارف وقيادات بالمجتمع المدني، جعلت من أحدهم وهو السفير البريطاني السابق بيتر ميليت مستشاراً لمحافظ مصرف ليبيا المركزي ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط.