“لا تتحرك حتى لا تُصيب الرصاصة عظمك”.. حكايات من داخل سجون “إغنيوة” تورط فيها نائب رئيس الأمن الداخلي للوفاق

0
660
لطفي الحراري نائب رئيس الأمن الداخلي لحكومة الوفاق
لطفي الحراري نائب رئيس الأمن الداخلي لحكومة الوفاق

طرابلس \ خاص

في حديث مع موقع صحيفة “الشاهد”، اختار سجين سابق لدى إحدى الميليشيات المسيطرة على العاصمة الليبية “طرابلس” كُنية “الناجي” خوفاً من أن يطال الانتقام أهله بعد خروجه من البلاد.

“الناجي” كان طالباً في كلية اللغات جامعة طرابلس، يقول إنه كان بعيداً عن كافة التجاذبات السياسية التي مزقت ليبيا، بعد إسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، عام 2011، على يد مجموعات مسلحة وبمساعدة الحلف الأطلسي “الناتو”، الأمر الذي أدى إلى إنزلاق الدولة العضو في منظمة إوبك إلى فوضى عارمة بسبب سيطرة المليشيات المتشددة.

طوال حديث “الناجي” لمراسل الشاهد، لم ينقطع بكاءه، بداية منذ تم إيقافه في إحدى البوابات من قبل ميليشيا، وبعدها ظل شهراً مختفياً دون إحالته للنيابة العامة، قائلاً: “رأيت الموت عدة مرات، بل وتمنيته حتى ينتهي ذاك الكابوس اللعين”.

وسُجلت في ليبيا آلاف الحالات من التغييب القسري على يد الميليشيات، كان الهدف إما سياسياً أو انتقاماً ذو طابع اجتماعي، وكثير من هذه الحالات لم يُعرف مصيرها حتى الآن بالرغم من المناشدات المتكررة من أهالي المخطوفين والمغيبين في ظل خنوع الحكومات المتتالية.

سيطرة الميليشيات على طرابلس

وعبر مكالمة فيديو على الواتساب، يحكي الناجي: “كنت ذاهباً أنا وصديقي إلى عشاء وسط العاصمة طرابلس عام 2018 ، واستوقفتنا بوابة بها مجموعة من المسلحين يبدو أنهم صغار في السن.. كنت أنا من يقود السيارة وطلبت من صديقي قبل أن أقف أن لا يتحدث حتى نخرج بسلام، توقفنا وفتحت النافذة وكان يقف شخص يرتدي ملابس مدنية ويغطي وجهه بقناع أسود ولديه جهاز لاسلكي وسلاح كلاشنكوف”، مستطرداً: “علمت وقتها أنهم ميليشيا، وطلبت من الله أن لا يحدث أي مكروه، خاصة أن هذه الجماعات دائماً ما تبحث عن أبسط الأمور لكي تمارس التعسف والاضطهاد على المواطنين”.

ظل الملثم صامتاً ينظر إلينا وفقط، حتى وجدت نفسي بلا إرادة تكلمت، وقلت له: “هل نذهب.. هل كل شيء على ما يرام”، ليرد المدجج بالسلاح متهكماً: “ما رأيك أن تأتي وتعمل مكاني.. نحن الدولة ونعلم ما نفعل”، ثم طلب مني أن أفتح الصندوق الخلفي للسيارة” وفق الناجي: “فتح المسلح الصندوق الخلفي ونظرت إليه من المراة الوسطية وكانت أضواء السيارات الخلفية تمنعني من رؤية ماذا يفعل؟ كان ظلام حالك بسبب انقطاع التيار الكهربائي”.

يستطرد الناجي: “أغلق قفل الصندوق بقوة وقرر أن يغير اتجاهه ليأتي من الباب الأخر ليسأل صديقي إن كان لديه أي ممنوعات- سؤال معتاد لدى كل الجماعات المسلحة- ابتسم صديقي قائلاً: أنا حتى لا أدخن”، لتكون تلك الكلمات بداية النار التي اشتعلت لمدة شهر كامل من ضرب وتعذيب وتعسف ومرارة دون أن يعلم أهلونا ما قد جرى”.

يتذكر الشاب العشريني: “فجأة أنفجر المسلح في وجه صديقي مستعملاً ألفاظ نابية قائلاً إننا الدولة وما فعله صديقي استهزاء وتهكم على سيادة الدولة.. اعتقدت للوهلة الأولى أنه يمزح فقط، لكن بعد أن ضرب صديقي تغيرت كل الأمور وقررت أن أنزل من السيارة لامنعه من ضربه”.

بكى الناجي لـ 10 دقائق، وكل ما يقوله: “ظلم والله ظلم. لن يعلم يشعر أحد بظلم هذه الميليشيات حتى يقع بين أيديهم”، مضيفاً: “على ما يبدو أن تلك المجموعة كانت كالذئاب تنتظر ضحيتها في جنح الظلام.. وكنا نحن تلك الضحية”.

أردف الناجي قائلاً” “طالب بقية المسلحين السيارات الموجودة في البوابة أن تذهب وأنا أحاول أن أبعد ذاك المسلح عن صديقي وفجأة ضربني مسلح أخر على ظهري بالكلاشنكوف، علمت وقتها أن الأمور خرجت عن السيطرة”.

لا أريد أن أبقى في ليبيا

يشير الناجي: “الآن أعيش في إحدى دول الجوار لأني لا أريد أن أبقى في ليبيا، التي أصبحت غابة لا عدل ولا قانون, بل مليشيات وإجرام”، متذكراً: “الميليشيا التي ألقت القبض علينا اصطحبونا إلى مقر داخل منطقة أبو سليم، وهو حي شعبي كثيف بالسكان.. الحي يعتبر من المناطق الشعبية الفقيرة وكان إحدى المناطق المؤيدة لنظام القذافي ولكن بعد سقوط النظام أحكم المدعو عبدالغني الككلي “إغنيوة” سيطرته على الحي.

وتُعرف هذه المجموعة المسلحة في طرابلس بإسم “إغنيوات” تتبع مباشرةً إلى وزارة الداخلية لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، تتمتع المجموعة بالدعم المالي والاعتراف من الحكومة من خلال بسط سيطرتها على المنطقة.

العاصمة طرابلس مقسمة إلى مناطق أمنية، تُسيطر كل واحدة على مجموعة من الأحياء ما يجعل موقف الحكومة ضعيف أمام تقديم الخدمات فتضطر للتفاوض مع هذه الجماعات المسلحة للوصول إلى الأحياء.

الناجي وصديقه اعتقدوا أن الأمور ستسير على ما يرام وهو مجرد أمر روتيني عن تلك “الابتسامة”، لكنهم كانوا مخطئين تماماً، فتلك الابتسامة كلفتهم شهراً كاملاً في زنزانة صغير بها قرابة ثمانية أشخاص يصعب التنفس بها، يضيف: “أخذوا هواتفنا ومفاتيح السيارة وحزام البنطلون، وطلبوا منا الوقوف مقابل حائط كان مكتوب عليه (قوة الردع والتدخل المشتركة – محور أبوسليم الكبرى)، فقال لي صديقي: انتهينا، نحن لدى أغنيوات، وإذا خرجنا من هنا فهذه معجزة”.

سرد “الناجي” ما حدث في أول ليلة، قائلاً: “كل من كان في ذلك المكان كان يأتي ليضربنا بأي شيئ بين يديه. لم أشعر برأسي من شدة الضرب وفقدت الوعي”.. هكذا كان يجرب لُطفي الحراري سلاحه الجديد على السجناء. بحسب الناجي.

لطفي الحراري 

يتعجب الناجي بعد مرور نحو عامين على توقيفه، قائلاً: إن الحراري الذي يشغل منصب مساعد آمر ميليشيا أبو سليم والمقرب من إغنيوة، كان يأتي للسجن ليمارس كل أنواع العنف الجسدي واللفظي على السجناء.

وتم تعيين الحراري في منتصف شهر سبتمبر الجاري، ليشغل منصب نائب لرئيس جهاز الأمن الداخلي التابع لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة ويشغل منصب رئيس الجهاز قيادي مليشياوي أخر يدعي “عماد الطرابلسي” المعروف بتغيير ولاءه السريع لمختلف الجماعات المتنحارة في البلاد.

وجاءت تلك التعيينات ضمن مجموعة قرارات أتخذها السراج بُعيد خروج متظاهرين شباب عزل للمطالبة بخروج المجلس الرئاسي ومحاربة الفساد وتحسين المعيشة اليومية وقلة الخدمات مثل انقطاع التيار الكهربائي لايام متوالية والمياه والسيولة وسيطرة المليشيات. ولكن سرعان ما تم إحباط المظاهرات باستعمال الرصاص الحي أدى الى مقتل اثنين وجرحى العشرات.

انتهاكات داخل سجون إغنيوة

بتنهيدة طويلة، تابع الناجي: “في يوم ما طلب الحراري من أعضاء الميليشيا إخراج عدد من السجناء وتوقفيهم في طابور أمامه، قائلاً: “طلب الحراري من السجين الاول أن يقف بشكل مستقيم لأنه يريد أن يجرب سلاحه الجديد، ذو اللون الفضي، دون أن يتحرك حتى لا تُصيب الرصاصة العظم، بعدها أطلق الرصاصة الأولى وسقط الشاب أرضاً ورأيت الدماء تسيل منه، وكان عناصر الميليشيا يضحكون بشكل هستيري دون رحمة ولا شفقة وتمنيت أن يحدث الله معجزة حتى ينتهي هذا الكابوس”.

يكمل: “عندما طلب من صديقي أن يقف دون تحرك، كنت على وشك أن أطلب منه أن يقتلني ولكن تجمدت مكاني وأطلق عليه الرصاصة، سقط وحاولت أن أنظر إليه ولكن فقدت الوعي”، يشير: “كان الحراري يفعل هذه الجريمة كل ما استلم سلاحا جديداً، ويتم إسعاف كل من يتعرض للضرب بالرصاص في مستشفى أبوسليم للحوادث أو مستشفى الخضرة ويتم إرجاعه للجسن مرة أخرى”.

وفق الناجي: “الحراري كان يفتش هواتف السجناء وإذا وجد شخص على علاقة مع فتاة كان يطلبه منه استدراجها ليتم القبض عليها، ويتعرض للضرب والعنف كل من كان يعارض”، واصفاً: “الشهر الذي قضاه في تغييب قسري من أكثر الأيام ظلماً وتعسفاً عاشها في حياته، حيث لا أكل نظيف ولا ماء صالح للشرب بل ضرب وعنف لكل من يطلب تحقيق أو نيابة عامة”.

خرج الناجي بعد شهر من اختفاءه، ولم يصدق عندما طلبوا منه الخروج من الزنازنة عندما قال له أحد أعضاء الميليشيا: “ماذا تفعل هنا منذ شهر؟”، يكمل الناجي: لم أتكلم خوفاً من الضرب فرد سؤاله وطلب مني الإجابة، فقلت له: لا أعلم ما هي تهمتي حتى الأن”.