شكّل قطاع النفط في ليبيا خلال عام 2025 ركيزة التعافي الاقتصادي الأبرز، بعد سنوات من الاضطرابات والإغلاقات القسرية التي أضعفت قدرة الدولة على التخطيط المالي والاستثماري، وراكمت خسائر مباشرة على الخزانة العامة.
وجاء هذا التحسن في عام اتسم بغياب الإغلاقات الواسعة للحقول والموانئ النفطية، مقارنة بسنوات سابقة شهدت توقفات متكررة للإنتاج، ما أتاح استقراراً نسبياً في التدفقات النفطية وانعكس مباشرة على الإيرادات العامة.
وساعد احتواء الاحتجاجات المحدودة التي اندلعت في بعض مواقع الإنتاج والتصدير، دون تأثير ملموس في الكميات المنتجة، على الحفاظ على مستويات إنتاج مستقرة، عززت ثقة الأسواق والمؤسسات الدولية بقدرة القطاع على الصمود، رغم هشاشة المشهد السياسي والمؤسسي.
ووفقاً لأحدث تقرير صادر عن البنك الدولي، أظهر أداء الاقتصاد الليبي خلال الأشهر التسعة الأولى من 2025 قدرة واضحة على التعافي الجزئي، مدفوعاً بتحسن أوضاع قطاع النفط، الذي ظل المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي، في ظل استمرار التحديات المرتبطة بتعدد مراكز القرار وضعف الانضباط المالي.
وأكد تقرير “المرصد الاقتصادي لليبيا” أن الاقتصاد الليبي حقق انتعاشاً قوياً خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، مع توقعات بنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 13.3% بنهاية 2025، مدعوماً بتوسع قطاع النفط بنسبة 17.4%، مقابل نمو قدره 6.8% في الناتج المحلي غير النفطي، ما يعكس تحسناً نسبياً في النشاط الاقتصادي خارج قطاع الطاقة، دون أن يقلل من مركزية النفط في هيكل الاقتصاد.
وسجل متوسط إنتاج النفط الخام نحو 1.3 مليون برميل يومياً خلال المدة نفسها، مقارنة بنحو 1.1 مليون برميل يومياً في عام 2024، عقب تجاوز اضطرابات سابقة مرتبطة بالخلاف حول قيادة مصرف ليبيا المركزي. ويُعزى هذا التحسن إلى زيادة الاستثمارات، واستمرار أعمال الصيانة في مشروعات الإنتاج، إلى جانب تحسن نسبي في الأوضاع الأمنية، ما منح القطاع مساحة أوسع للاستقرار التشغيلي.
ورغم تراجع أسعار النفط عالمياً، سجّلت إيرادات مبيعات ليبيا من النفط والغاز قفزة لافتة خلال عام 2025، إذ ارتفعت بنسبة 32.5% خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من العام، في تطور يعزّز خطط البلاد الرامية لإعادة الإعمار وتجاوز آثار سنوات من عدم الاستقرار.
وأظهرت بيانات مالية أن إيرادات مبيعات النفط والغاز ارتفعت إلى نحو 93.3 مليار دينار ليبي خلال المدة من يناير حتى نهاية نوفمبر 2025، مقابل 70.4 مليار دينار خلال الفترة نفسها من عام 2024، بزيادة بلغت نحو 22.9 مليار دينار، ما يعكس الأثر المشترك لزيادة الإنتاج وتعديل سعر صرف الدينار، رغم الضغوط السعرية في الأسواق العالمية.
واستحوذت إيرادات قطاع النفط على نحو 80.8% من إجمالي الإيرادات العامة للدولة، مؤكدة استمرار الاعتماد شبه الكامل للاقتصاد الليبي على النفط بوصفه المصدر الرئيس للدخل القومي والعملات الأجنبية، في ظل محدودية مساهمة القطاعات الأخرى.
وسجّلت إيرادات الإتاوة والضرائب المفروضة على الشركات العاملة في قطاع النفط زيادة بنسبة 28% خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من العام، في مؤشر إضافي على تحسّن نشاط عمليات الإنتاج. وبلغت إيرادات الإتاوة النفطية نحو 16 مليار دينار، مقارنة بنحو 12.5 مليار دينار خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
وأسهم هذا الأداء في تحقيق فائض مالي قدره 7.9 مليار دينار بحلول نهاية نوفمبر 2025، وفق بيانات مصرف ليبيا المركزي، في وقت استحوذت فيه إيرادات قطاع النفط (مبيعات النفط والغاز إلى جانب الإتاوة النفطية) على أكثر من 94.7% من إجمالي إيرادات الموازنة العامة، التي بلغت نحو 115.4 مليار دينار، ما يعكس قوة التدفقات النفطية، لكنه يكشف في الوقت ذاته هشاشة هيكل الإيرادات العامة.
في المقابل، أظهرت بيانات الإنفاق العام أن حجم المصروفات بلغ نحو 107.5 مليار دينار، توزعت على خمسة أبواب رئيسة، تصدّرها باب المرتبات بقيمة 61.2 مليار دينار، بما يمثل 56.9% من إجمالي الإنفاق، يليه باب الدعم الذي بلغ 33.3 مليار دينار، بنسبة 30.9%، ويشمل دعم المحروقات وعلاوة الزوجة والأبناء، إضافة إلى مرتبات بعض الجهات العامة.
هذا التباين بين الانتعاش القوي في الإيرادات النفطية وهيكل الإنفاق العام كان أحد أبرز ملامح الجدل المالي خلال 2025، إذ تصاعد خلاف واضح بين المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي حول آليات توريد الإيرادات وأولويات الصرف.
وأفاد مصرف ليبيا المركزي في بيان صدر 28 ديسمبر الجاري، بأن قيمة الإيرادات النفطية الموردة إليه منذ بداية شهر ديسمبر الجاري وحتى 28 من الشهر نفسه بلغت نحو مليار و17 مليون دولار، في وقت أكد فيه المصرف استمراره في تنفيذ عمليات بيع النقد الأجنبي بصفة منتظمة وبمعدلات قال إنها تلبي احتياجات السوق المحلي، بما يسهم في الحفاظ على الاستقرار النقدي ودعم متطلبات النشاط الاقتصادي.
وبحسب بيانات المصرف، فإن الإيرادات النفطية الموردة سجلت زيادة قدرها 224 مليون دولار خلال خمسة أيام فقط، مقارنة ببيانه الصادر في 23 ديسمبر الجاري، والذي أشار حينها إلى توريد نحو 793 مليون دولار، وهو ما يعكس تحسنًا نسبيًا في وتيرة التوريد، دون أن يبدد الجدل القائم حول كفاية هذه التدفقات قياسًا بحجم الالتزامات والإنفاق العام.
وفي 23 ديسمبر الجاري، أكدت المؤسسة الوطنية للنفط أن التراجع المسجّل في توريدات الإيرادات منذ سبتمبر 2025 لا يعكس أزمة هيكلية في الإنتاج أو التصدير، بل يرتبط بغياب سياسة مالية واضحة لدى المصرف المركزي، وترتيب غير منضبط لأولويات الإنفاق، مشددة على أن الخلل يكمن في إدارة المصروفات لا في حجم الإيرادات أو أداء القطاع النفطي.
وانتقدت المؤسسة تحويل ملف الإيرادات النفطية إلى أداة اتهامية تُحمّل من خلالها مسؤولية اختلالات مالية عامة، مؤكدة أن تراجع الإيرادات يعود إلى عوامل موضوعية، من بينها انخفاض أسعار النفط عالمياً بنحو 11 دولاراً للبرميل مقارنة بعام 2024، وارتفاع الاستهلاك المحلي من الوقود والغاز، وعدم اعتماد احتياجات البلاد من المحروقات، ما قلّص الكميات المتاحة للتصدير.
كما حذّرت من أن عدم تسييل الميزانيات التشغيلية والاستثمارية المخصصة لها يتعارض مع مبدأ ترشيد الإنفاق، ويهدد استدامة الإنتاج، مشيرة إلى أن صرف أقل من 20% من ميزانية 2024، وعدم اعتماد ميزانية 2025، كاد أن يؤدي إلى فقدان ربع الإنتاج التصديري، لولا اللجوء إلى آليات استثنائية لتفادي التوقف.
وعلى الرغم من هذه الخلافات، شهد عام 2025 نشاطاً ملحوظاً في ملف الاستكشافات، مع تسجيل اكتشافات تجاوزت 168 مليون برميل نفط، وعودة تدريجية للشركات العالمية، ضمن توجه رسمي لإعادة فتح قطاع الاستكشاف بعد إطلاق أول جولة تراخيص منذ 2007، بهدف رفع الطاقة الإنتاجية وتعزيز مكانة ليبيا على خريطة الطاقة الأفريقية.
وبينما تستهدف ليبيا رفع إنتاجها إلى 1.6 مليون برميل يومياً في 2026، ثم 1.8 مليون برميل في 2027، وصولاً إلى مليوني برميل يومياً خلال السنوات الخمس المقبلة، فإن تحويل مكاسب 2025 من انتعاش ظرفي إلى مسار مستدام يظل مرهوناً باستقرار سياسي ومؤسسي، وإصلاحات مالية تضمن ربط الإيرادات النفطية بأوجه صرف واضحة، وتحسين إدارة الإنفاق العام، بما يمنع تكرار أزمات التعطّل رغم وفرة الموارد.
- رئيس البرلمان الليبي يقترح تشكيل لجنة للإشراف على الانتخابات بدلاً من حكومة جديدة

- حماد وأبوشناف يناقشان مهام وآليات عمل لجنة متابعة أوضاع السجناء والسجون

- ليبيا.. مجلس الدولة يرفض قرارات البرلمان بشأن مفوضية الانتخابات وزيادة مرتبات الجيش

- مؤسسة النفط الليبية: “مليتة” تسجل 168 ألف برميل يوميا خلال 2025

- مجلس النواب الليبي يصوت على استكمال المقاعد الشاغرة بمفوضية الانتخابات

- النفط في ليبيا خلال 2025.. انتعاشة في الإيرادات وخلاف على المصروفات

- مجلس النواب الليبي يوافق على مشروع قانون زيادة مرتبات منتسبي القوات المسلحة

- عقيلة صالح يؤجل مناقشة ميزانية مفوضية الانتخابات الليبية إلى جلسة الغد

- المجلس التسييري بطبرق يبحث مع “البريقة” حلولا عاجلة لأزمة الوقود

- ليبيا.. غدامس توقع 12 مشروعا خدميا ضمن خطة 2025

- أنقرة تنفي شائعات امتناع طائرة تركية عن الهبوط في ليبيا بسبب حادث “الحداد”

- برودة وأمطار متفرقة على شمال ليبيا مع تراجع درجات الحرارة

- بعثة الأمم المتحدة ترحب بتشكيل لجنة لمتابعة أوضاع السجون في بنغازي

- الخارجية الليبية تجدد موقفها الداعم لسيادة الصومال الفيدرالية

- ليبيا.. تجاوزات بأكثر من 86 مليون دينار في مخصصات جائحة كورونا




