رحل الحداد أم رُحِّل.. ما مصير الغرب الليبي في ظل هيمنة الميليشيات على القرار؟

0
138

أعاد حادث سقوط الطائرة في تركيا، الذي أودى بحياة رئيس أركان القوات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية الفريق محمد الحداد، فتح واحد من أكثر الملفات حساسية في ليبيا، وهو ملف الترتيبات الأمنية والعسكرية في غرب البلاد، حيث يتداخل الرسمي بالواقع، وتتصادم النصوص مع موازين القوة.

برحيل الحداد عن المشهد الليبي، لا يُطرح السؤال فقط حول من سيخلفه في المنصب، بل حول جدوى المنصب نفسه، في ظل بيئة أمنية لم تُحسم فيها بعد مسألة من يملك السلاح، ومن يملك القرار.

وعلى الرغم من تحكم الميليشيات في مجريات الأمر، أمنيا وعسكريا، وسيطرتهم على مؤسسات شديدة الحساسية في طرابلس وما يحيط بها من مدن الغرب، إلا أن موت “الحداد” ربما يزيد من حدة التوتر والفوضى، وربما كان موته بمثابة ضربة قاضية في ملف توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية في ليبيا.

محمد الحداد، خلال فترة توليه رئاسة الأركان، كان أحد أبرز الوجوه العسكرية المشاركة في أعمال اللجنة العسكرية المشتركة “5+5″، التي سعت إلى توحيد المؤسسة العسكرية الليبية وإنهاء حالة الانقسام.

غير أن هذا الدور، رغم أهميته السياسية، ظل منفصلا إلى حد كبير عن واقع غرب ليبيا، حيث لا يوجد جيش نظامي موحد بالمعنى التقليدي، وإنما ميليشيات وجماعات مسلحة مُتناحرة، تسلم آمريها مناصب حيوية ويسعون إلى أخذ أكبر حصة من الأرض والثروات، خاصة بعد اعتماد حكومات غرب ليبيا عليهم من أجل البقاء في السلطة.

عملية دمج الميليشيات التي ظهرت وتنامت بعد أحداث 2011 في ليبيا ضمن المؤسسة العسكرية في غرب البلاد، أثبتت فشلها التام في تحقيق مُبتغاها، خاصة وأنه تم دمجها دون تفكيك هياكلها أو إخضاعها الكامل لسلسلة قيادة عسكرية مركزية يأتمرون بأمرها دون النظر لمصالح ضيقة وخاصة.

المشهد الأمني في طرابلس تحكمه معادلة توازن بين عدة تشكيلات مسلحة كبرى، وأبرزهم جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، و اللواء 444 قتال، و قوات دعم الاستقرار، فضلا عن أعداد كبيرة من الجماعات المسلحة الأصغر حجما، والتي تسيطر على مناطق عدة في غرب البلاد.

حدة الصراع بين الميليشيات، تجلت خلال السنوات الأخيرة، حيث شهدت طرابلس سلسلة اغتيالات وعمليات تصفية استهدفت شخصيات بارزة في المشهد المسلح، من بينها عبدالغني الككلي المعروف بـ”غنيوة”، قائد قوات دعم الاستقرار، إلى جانب شخصيات أخرى مثل “العمو”.

تلك الاغتيالات لم تكن نتيجة فراغ أمني فقط، بقدر ما كانت تعبيرا عن إعادة توزيع النفوذ، وانهيار تفاهمات غير مكتوبة كانت تضبط المشهد لفترات مؤقتة، في ظل غياب جهاز أمني موحد قادر على فرض القانون أو كشف ملابسات هذه الجرائم للرأي العام.

الحداد أيضا كان رافضا لوجود المرتزقة والقوات الأجنبية في ليبيا، فخلال افتتاح أكاديمية الدراسات البحرية في منطقة صياد بجنزور، كان له تصريحات واضحا بهذا الشأن، وقال: ” نحن في سباق لبناء الدولة وإلا سنظل عبيدًا نحرس الأجانب والمحتلين”.

الحداد أيضا قال: ” المحتل لم يأت إلا بكمشة من الأنذال الذين انبطحوا انبطاحا كاملا، وهذا شيء مؤلم”.

وقبل يومين فقط من وفاة محمد الحداد على الأراضي التركية إثر سقوط طائرته، صادق البرلمان التركي على قرار بقاء القوات التركية في ليبيا لمدة عامين.

وبرحيل محمد الحداد، ظهر فراغا جديدا داخل المشهد العسكري في الغرب الليبي، ليس بسبب غياب شخصية بعينها، بل بسبب غياب مؤسسة حقيقية يمكن أن تستمر بغض النظر عن الأفراد، فالتحدي لا يكمن في تعيين رئيس أركان جديد، وإنما في صعوبة بناء جيش في ظل وجود تشكيلات مسلحة لا تعترف إلا بميزان القوة.