الدبيبة في “أيام طرابلس الإعلامية”: يتحدث كـ “ضحية” بخطاب ملئ بالمغالطات

0
147

بدا رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، خلال ظهوره مع الإعلامي المصري محمود سعد في «أيام طرابلس الإعلامية»، وكأنه يقدّم رواية شاملة لأزمات ليبيا، لكنه في واقع الأمر كان يعيد تدوير خطاب تقليدي يُحمّل الماضي مسؤولية الحاضر دون الاعتراف بموقع حكومته في تعميق الأزمة. 

وخلال الحوار استدعى الدبيبة عبارات مثل وجود “ناس انهردت نفسياً” بدا محاولة لصياغة مشهد اجتماعي مأزوم لتبرير عجز حكومته عن إدارة الملفين الاقتصادي والخدمي، في وقت يواجه فيه المواطن انقطاع الخدمات، وتآكل القدرة الشرائية، واتساع رقعة الفوضى في المدن الغربية التي تعتمد حكومته في إدارتها على شبكة معقدة من الميليشيات التي تحكم التوازنات الأمنية على الأرض.

وزاد الدبيبة من تناقض خطابه حين تحدث عن “حرية الإعلام” واعتبر أن الليبيين “يتنفسون الفيسبوك” وأنه يتقبل النقد، رغم أن تجارب السنوات الماضية تشير إلى تنكيل واسع بإعلاميين وناشطين، وتضييق واضح على المؤسسات الإعلامية المستقلة، وتوجيه ممنهج للرأي العام عبر أدوات الدولة وحلفائها المسلحين، وهو ما يجعل حديثه عن الحرية أقرب إلى صياغة تجميلية تخفي واقعاً يعاني من غياب الضمانات وحضور السطوة المسلحة.

كذلك عندما أشار إلى أن عدد الموظفين الحكوميين بلغ 2.5 مليون – أكثر من ثلث الشعب – قدّم ذلك كما لو أنه اكتشاف جديد، بينما ساهمت حكومته في تضخيمه من خلال سياسة الاسترضاء بالمرتبات وصرف الاعتمادات، وهي سياسة يستفيد منها لاستمرار شبكة الولاءات.

بينما جاءت دعوته لتشجيع الشباب على القطاع الخاص فتبدو نظرية تماماً في اقتصاد بلا بيئة قانونية مستقرة ولا أمن يسمح بنمو قطاع خاص فعلي.

وحرص الدبيبة على تقديم سرد تاريخي يمتد من الحقبة الملكية إلى عهد القذافي وصولاً إلى ما بعد 2011، في محاولة لإعادة تأطير المشهد: الملكية “مرحلة بنية تحتية”، والرئيس الأسبق معمر القذافي صرف أموال البلاد على الوحدة العربية، ثم جاءت ثورة فبراير لتوقف التنمية، لكنه أغفل الإشارة إلى أن حكومته نفسها تعيش منذ 2021 خارج أي مسار شرعي انتخابي، وأنها – رغم شعارات “لا للحرب” – لم تتمكن من ضبط الانفلات الأمني في مدن غرب ليبيا أو صياغة تسوية سياسية.

ولم تتوقف مغالطات الدبيبة عند هذا الحد، بل وصلت إلى مغالطات دينية تاريخية، حين وصف الليبيين بـ “شعب محافظ أخذ الدين من الفاطميين”، بينما دخل الإسلام إلى ليبيا قبل الفاطميين بقرنين، على يد عمرو بن العاص وعقبة بن نافع في عهد عمر بن الخطاب عام 642 هجرية، ما يعكس رغبة في بناء خطاب هوياتي يخدم اللحظة السياسية أكثر مما يعكس حقيقة تاريخية ثابتة.

وفي طرحه لمسار الحل، دعا الدبيبة إلى إخراج مسودة دستور لجنة الستين وطرحها للاستفتاء، بوصفه المسار الوحيد للخلاص، في وقت يعد دبيبة أحد معطّلي التقدم في الملف الدستوري عبر التحكم في الموارد والتحالف مع جماعات مسلحة تستفيد من بقاء الوضع على ما هو عليه. أما انتقاده للأمم المتحدة باعتبار المسار الدستوري “صعباً” فلا يغيّر من حقيقة أن الأزمة ليست في النصوص بل في غياب الإرادة السياسية – بما فيها حكومته – لفتح الباب أمام تداول سلمي للسلطة.

وفي الوقت الذي يحذّر فيه الدبيبة من “من يريدون حكم ليبيا بالسلاح أو الأيديولوجيا”، يتجاهل أن حكومته نفسها تستند إلى سلطة ميليشيات غرب البلاد التي تشكّل العمود الفقري لتوازناته، وأنها تمارس إقصاءً سياسياً وإعلامياً لا يقل حدّة عن أي مشروع سلطوي آخر.

باختصار، بدا خطاب الدبيبة متماسكاً من الخارج، لكنه يكشف ـ عند تفكيكه ـ محاولة مستمرة لإعادة تشكيل الذاكرة العامة وتقديم نفسه كضحية إرث سياسي طويل، بينما يظل جوهر الأزمة قائماً: حكومة فقدت شرعيتها الزمنية، ومشهد اقتصادي منهك، وأمن هش تحكمه الميليشيات، ومسار سياسي معطل لا يكفي خطاب إعلامي لتبريره.