ليبيا أمام لحظة اختبار جديدة: انتخابات جديدة أم استمرار عرقلة الحلول

0
111

تعيش الساحة الليبية لحظة فارقة جديدة مع تجدد موجة المظاهرات الشعبية المطالبة بوضع حدٍّ نهائي لحالة المراوحة السياسية.

ويعكس خروج المواطنين إلى الشوارع، اليوم الجمعة، شعوراً جماعياً بأن البلاد وصلت إلى سقف التحمل، وأن استمرار المرحلة الانتقالية بلا نهاية واضحة لم يعد مقبولاً في ظل التعقيدات المتراكمة والانقسامات التي باتت تهدد ما تبقى من استقرار هش.

في طرابلس وعدد من مدن الغرب والشرق، احتشد المتظاهرون بعد صلاة الجمعة ليجددوا صوتاً ظل يتردد لسنوات دون أن يجد طريقه إلى التنفيذ: ضرورة الذهاب إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية شاملة، باعتبارها الخيار الوحيد لإنهاء حالة التشظي بين المؤسسات المتنازعة.

ولم يكن اختيار الأعلام الوطنية وصور رمزية لوحدة ليبيا تفصيلاً عابراً، بل رسالة مباشرة بأن مطلب الانتخابات لا يندرج ضمن منافسة سياسية ضيقة، وإنما يرتبط بإعادة تعريف مشترك لمستقبل الدولة ومسارها.

اللافت أن الحراك حافظ على طابعه السلمي المنظم، مع إصرار واضح على أن الضغوط الشعبية أصبحت الأداة الوحيدة المتاحة لدفع الأطراف السياسية نحو الالتزام باستحقاقات الاستقرار، بعيداً عن الصفقات المعلبة أو التفاهمات التي تُعقد خلف الأبواب المغلقة برعاية أطراف خارجية.

وحمل هذا الخطاب الشعبي تحميلاً مباشراً للسلطات التنفيذية والتشريعية، والبعثة الأممية، مسؤولية تعطيل المسار الانتخابي وعدم تحديد جدول زمني ملزم يُخرج البلاد من الفراغ المتكرر الذي تحيا فيه منذ 2011.

وركزت بيانات المحتجين على إعادة ضبط قواعد اللعبة السياسية، بدءاً من إنهاء مرحلة تعدد الحكومات والمؤسسات، مروراً بتشكيل سلطة انتقالية موحدة بمهام مؤقتة ومحددة، وصولاً إلى وضع إطار دستوري وقانوني واضح يضمن إجراء انتخابات قابلة للتنفيذ وليست مجرد شعارات.

ومن خلال استحضار سيناريو تعطيل انتخابات ديسمبر 2021، بدا أن الشارع الليبي يسعى لقطع الطريق أمام أي تأجيل جديد قد يعيد إنتاج الأزمة بوجوه مختلفة.

وتأتي هذه التطورات في لحظة تشهد فيها ليبيا انسداداً سياسياً غير مسبوق، فالحكومتان في طرابلس والشرق تتمترسان حول شرعية كل منهما، بينما تبدو مؤسسات الدولة موزعة على خريطة النفوذ وتضارب المصالح.

من جانبها طرحت الأمم المتحدة، خريطة طريق جديدة تقوم على معالجة القواعد الدستورية وتوحيد المؤسسات وإطلاق حوار وطني واسع، إلا أن ضعف الالتزام المحلي وعدم الاتفاق على ترتيب الأولويات جعلا هذه الرؤية عالقة بين الإرادة النظرية وواقع سياسي متصلب.

على الضفة الأخرى، يميل المجلس الرئاسي إلى خطاب يدعو لإطلاق مسار “ليبي-ليبي” يحمي القرار الوطني من التدخلات الخارجية التي غالباً ما تفرض أولوياتها على حساب التوافق الداخلي، لكن رغم هذه الدعوات، تبدو إمكانية تحريك العملية السياسية مرتبطة إلى حد كبير بمستوى الضغط الشعبي وتفاعل المجتمع الدولي مع مطالب الشارع، خاصة أن القوى الكبرى ما زالت تعتبر الانتخابات الحل الوحيد القابل للتطبيق، لكنها تشدد في الوقت ذاته على ضرورة قبول الأطراف بنتائجها وتحييد السلاح عن العملية السياسية.

وتبدو السيناريوهات المقبلة مفتوحة على أكثر من احتمال؛ فالتظاهرات، إذا واصلت زخمها، قد تدفع الطبقة السياسية لتقديم تنازلات حقيقية بشأن القوانين الانتخابية وتشكيل سلطة موحدة تشرف على الاستحقاق المرتقب، خصوصاً في ظل الوضع الاقتصادي الصعب وتدهور الخدمات.

لكن بقاء المشهد على حاله، أو محاولة التعامل الأمني مع التحركات، قد يقود إلى موجة اضطراب جديدة تضع البلاد أمام خطر انزلاق أمني لا يريده أحد، في وقت تتحرك فيه الأطراف الدولية نحو طرح مبادرات جديدة تحت عنوان “الحفاظ على المسار الانتخابي” دون الخروج من دائرة النفوذ.

وبالتوازي مع ضغط الشارع، أكد مجلس النواب الليبي والحكومة الليبية المكلفة، في بيانين منفصلين، دعم التعجيل بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، داعياً المفوضية العليا للانتخابات إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة للانطلاق الفعلي نحو الاستحقاق المرتقب، بالإضافة إلى دعوة المجتمع الدولي إلى مساندة إرادة الليبيين والحد من التدخلات التي تعرقل العملية السياسية.

بهذا المشهد المتداخل بين حركة الشارع ومواقف المؤسسات وتدخلات الخارج، تبدو ليبيا أمام لحظة اختبار جديدة: إما إعادة بناء قواعد الشرعية عبر صناديق الاقتراع، أو الدخول في حلقة جديدة من التأجيل والصراع قد تطيل عمر الأزمة بدل إنهائها.