خلافات أم حملة ممنهجة.. ما أسباب تصعيد حكومة الوحدة ضد محافظ مصرف ليبيا المركزي؟

0
303

تشهد الساحة الليبية منذ أيام تصاعداً لافتاً في الحملة الموجهة ضد محافظ مصرف ليبيا المركزي، ناجي عيسى، وسط مؤشرات متزايدة على أن هذه الهجمة تأتي بتوجيهات من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، في محاولة لصرف الأنظار عن الإخفاقات الاقتصادية المتراكمة والعجز المالي الذي يضغط على الموازنة العامة.

وتُظهر وثيقتان صادرتان عن ديوان وزارة الاقتصاد والتجارة – تحملان توقيع الوزير محمد الحويج – اتهامات مباشرة لمحافظ المصرف باستنزاف النقد الأجنبي وتهريب العملة الصعبة عبر الاعتمادات المزورة.

الوثيقتان اللتان وُجهتا إلى محافظ المصرف المركزي في 15 نوفمبر الجاري، تتهمان المصرف بالتقصير في مراقبة العمليات المصرفية والالتزامات الدولية، وتربطان بين تلك الممارسات واحتمال إدراج ليبيا ضمن قوائم مجموعة العمل المالي (FATF)، ما قد ينعكس على سمعة النظام المالي الليبي.

غير أن مراقبين رأوا أن خطاب الحويج لا يعدو كونه جزءً من حملة سياسية منظمة يقودها الدبيبة عبر وزراء ومسؤولين مقربين منه، لتصوير المصرف المركزي كطرف معرقل لسياسات الحكومة، في وقت تواجه فيه الأخيرة عجزاً متزايداً في الموازنة وارتفاعاً في معدلات الإنفاق العام دون إصلاح فعلي في هيكل الاقتصاد أو تنويع مصادر الإيراد.

وتزامن التصعيد الرسمي مع موجة انتقادات من شخصيات دينية وسياسية ومصرفية محسوبة على الدبيبة، أبرزها تصريح مفتي ليبيا المعزول الصادق الغرياني، الذي قال إن سياسات المصرف المركزي أعادت تفشي الربا في البلاد، متحدثاً عن انتشار التعاملات غير المشروعة بسبب شح السيولة.

كما دخل رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة على الخط، مطالباً بفتح تحقيق مع محافظ المصرف بشأن تداول فئات نقدية غير مسجلة، وهو ما اعتبره محللون محاولة لتكثيف الضغط المؤسسي على المركزي.

وفي السياق نفسه، كتب الخبير المصرفي إبراهيم الحداد منشوراً على صفحته في “فيسبوك” دعا فيه إلى “تطهير شامل وإعادة هيكلة إدارات المصارف وفق متطلبات النظام المصرفي الحديث”، في إشارة اعتبرها مراقبون جزءً من خطاب منسق لتشويه إدارة المركزي تمهيداً لتحجيم دوره في إدارة السياسة النقدية.

ويرى خبراء أن جوهر الأزمة لا يكمن في سياسات المصرف المركزي بقدر ما يرتبط بفشل الحكومة في إدارة مواردها وتضخم الإنفاق العام، حيث تشير البيانات المالية إلى زيادة العجز في الموازنة بسبب ارتفاع فاتورة المرتبات والدعم، مقابل ضعف الإيرادات غير النفطية، كما أن التوسع في الإنفاق الحكومي دون رقابة فعالة أدى إلى تفاقم الطلب على النقد الأجنبي، وارتفاع معدلات التضخم في السوق المحلي.

ويشير محللون إلى أن الهجوم الحالي يسعى لتهيئة الرأي العام لتحميل المصرف المركزي مسؤولية الأزمة الاقتصادية، تمهيداً لإعادة هيكلة إدارته أو فرض تغييرات داخلية تمنح الحكومة سيطرة أكبر على السيولة والاعتمادات المستندية، خصوصاً بعد خلافات سابقة بين الدبيبة والمحافظ حول آليات تمويل المشروعات الحكومية.

وتأتي هذه التطورات في ظل تدهور الثقة في السياسات الاقتصادية لحكومة الوحدة الوطنية، التي فشلت في تحقيق وعودها بإصلاح القطاع المالي أو تحسين بيئة الاستثمار.

وبينما تحاول حكومة الوحدة إلقاء اللوم على المصرف المركزي، يرى مراقبون أن جوهر الأزمة يكمن في غياب الشفافية المالية واستمرار الإنفاق خارج الأطر القانونية، وهو ما جعل العجز المالي يتفاقم رغم تحسن أسعار النفط نسبياً.

وبينما تتوسع الحملة السياسية والإعلامية ضد المحافظ، يحذر خبراء من أن المساس باستقلالية المصرف المركزي سيؤدي إلى تداعيات خطيرة على النظام المصرفي واستقرار سعر الصرف، مؤكدين أن الحل لا يكمن في تبادل الاتهامات، بل في تبني إصلاحات اقتصادية حقيقية تُعيد الانضباط المالي وتوقف الهدر في الإنفاق العام.