أزمة السيولة في ليبيا.. أين تكمن الحقيقة؟ ومن يتحمّل المسؤولية؟

0
186

تعود أزمة السيولة النقدية لتتصدر المشهد الاقتصادي في ليبيا مجددًا، وسط تبادل للاتهامات بين الأطراف المعنية بالملف المالي، وقلق متزايد لدى المواطنين من تفاقم الأوضاع المعيشية وصعوبة الحصول على النقد في المصارف. وبين قرارات مصرف ليبيا المركزي، ومطالبات الحكومة والبرلمان، تتعدد التساؤلات حول أسباب الأزمة الحقيقية، وسبل الخروج منها.

في جلسة عقدها مجلس النواب برئاسة النائب الأول فوزي النويري، قرر المجلس استدعاء محافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي محمد عيسى وأعضاء مجلس الإدارة، لمساءلتهم حول الإجراءات الأخيرة التي قادت إلى تزايد أزمة السيولة.

وقال النائب عيسى العريبي إن المحافظ يتحمّل المسؤولية عن الأزمة الحالية بعد أن سحب 60 مليار دينار دون أن يقدم البديل، مطالبًا بإعادة ضخ المبلغ في السوق والعدول عن قرار سحب بعض الإصدارات النقدية.

كما دعا إلى دعم الدفع الإلكتروني بدلًا من سحب السيولة، متسائلًا عن طبيعة الاعتمادات المستندية التي أُصدرت بالمليارات دون تغطية مالية واضحة، وعن الجهات المستفيدة منها، ومدى التزامها باستيراد السلع مقابل ما تحصل عليه من اعتمادات.

من جانبه، وجّه رئيس الحكومة المكلفة أسامة حماد خطابًا إلى مجلس النواب دعا فيه إلى إصدار تشريع عاجل يجرّم الاحتفاظ بكميات كبيرة من العملة الورقية خارج المصارف، مع تحديد سقف قانوني لحيازة النقد للأفراد والمؤسسات.

وأكد حماد أن البلاد تواجه أزمة متصاعدة في تدفقات الأموال داخل المصارف، نتيجة نقص السيولة وثقة المواطنين المحدودة في النظام المصرفي، مشيرًا إلى أن تفاقم ظاهرة الاكتناز حوّل العملة من وسيلة للدفع إلى أداة للادخار والاتجار، مما أضعف قدرة المركزي على ضبط التضخم وأدى إلى اتساع الاقتصاد غير الرسمي وانخفاض قيمة الدينار.
وأوضح أن الحكومة اتخذت إجراءات لتشجيع وسائل الدفع الإلكتروني في الأنشطة التجارية والجهات العامة، إلا أن الظاهرة تجاوزت حدود المعالجات الإدارية وأصبحت تتطلب تدخلًا تشريعيًا واضحًا.

بين قرارات مصرف ليبيا المركزي بسحب بعض الإصدارات النقدية من السوق، ومطالبات البرلمان بإعادتها، وتوجه الحكومة نحو تقييد حيازة النقد، تبقى الإشكالية الأعمق مرتبطة بضعف الثقة بين المواطن والمنظومة المصرفية.
ففي الوقت الذي يرى فيه المركزي أن سحب العملة يهدف إلى ضبط السوق وتقليص التداول غير المنظم، يعتبر كثير من المراقبين أن الخطوة ساهمت في تفريغ المصارف من السيولة ودفع المواطنين نحو مزيد من الاكتناز.

أزمة السيولة في ليبيا لم تعد مسألة فنية بحتة، بل قضية اقتصادية – سياسية مركبة تتطلب تنسيقًا فعليًا بين الحكومة، والمصرف المركزي، والبرلمان. ويبقى السؤال المطروح: هل تكفي الدعوات لتشريعات جديدة وتشجيع الدفع الإلكتروني لإنهاء الأزمة؟ أم أن جذورها أعمق، تتعلق بانقسام المؤسسات وتآكل الثقة العامة في النظام المالي؟